بعد مرور عام على انتخابات أكتوبر/ تشرين الأول 2021، أنهى مجلس النواب العراقي أخيرًا الجمود وأكد على اختيار الرئيس الخامس للبلاد منذ الاحتلال الأمريكي في 2003. وأزال انتخاب عبد اللطيف رشيد العقبة الدستورية المعقدة قبل تشكيل الحكومة.
لكن الحكومة الجديدة قد لا تستمر كثيرا، حيث يبدو أن انتخابات مبكرة أخرى هي الطريقة الوحيدة لاستعادة التوازن السياسي في العراق.
وبالمقارنة مع رؤساء الحكومات السابقة، فإن “السوداني” محظوظ لأنه يقود عراقًا هادئا نسبيا وفي وضع مالي جيد نتيجة ارتفاع أسعار النفط. ويمكن لهذه الظروف أن تساعد رئيس الوزراء الجديد في مواجهة العديد من التحديات الموروثة، بما في ذلك الفساد المستشري والافتقار إلى الخدمات الكافية والحكم الرشيد ناهيك عن الخلافات السياسية الداخلية والأزمات التي تلوح في الأفق.
كما أن تدهور المناخ، وندرة المياه، والضغوط المستمرة من الجهات الإقليمية الرئيسية، لا سيما إيران وتركيا تعد تحديات جوهرية.
ومنذ يومه الأول في منصبه في 28 أكتوبر/تشرين الأول، انهالت على “السوداني” مطالب ذات سقوف عالية بشكل غير واقعي. يجب ألا يستسلم لهذه المطالب غير الواقعية وأن لا يبالغ في وعوده حتى لا يتم الحكم عليه بشكل سلبي في نهاية المطاف. بل عليه أن يمهد الطريق لعكس ذلك تماما: تقديم وعود مناسبة واقعيًا، والتركيز على أهمية العمل الجاد، وتقاسم المسؤولية مع مجلس النواب.
• ريسبونسبل ستيتكرافت: ما هي خطوة إسرائيل القادمة في حال فشلت المفاوضات النووية مع إيران؟
وفي ظل الظروف الحالية في العراق، سيقدر الناس النجاحات الصغيرة التي تحسن بشكل كبير حياتهم اليومية أكثر من الخطط التفصيلية التي لا تكتمل أبدا بفعل التغير المستمر في الحكومات.
لقد حدث الكثير من الفشل في الماضي لأن الحكومة غالبًا ما ركزت على تحدٍ رئيسي واحد وأهملت كل شيء آخر. وبقدر ما تستحق الحكومات السابقة الإشادة بهزيمة تنظيم “داعش” وتحقيق مكاسب كبيرة في علاقات العراق الخارجية، فإن تلك الإنجازات لا يمكن أن تشكل عذراً للأداء السيئ لبعض الوزارات التي لم تحرز أي تقدم في الصناعة أو الإسكان أو التعليم أو الصحة.
ويجب أن تكون الأولوية المحلية الأولى لرئيس الوزراء “السوداني” هي خطة واقعية لاستعادة التماسك الاجتماعي الذي واجه شروخا كبيرة على مدى السنوات الثلاث الماضية.
ولم يكن للفصائل السياسية العراقية حدود عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع الآخر وتجريده من إنسانيته، حيث لجأت في كثير من الأحيان إلى اللغة السامة وخطاب الكراهية. وغالبًا ما أدى مجرد الخلاف حول القضايا السياسية العادية إلى وصف المحاورين بأنهم مرتزقة أو أو عملاء للأجانب. لقد أصبح من الصعب أن يكون لشخص وجهة نظر مختلفة ويظل وطنيًا.
وإذا كان على العراق تجنب الانزلاق إلى هاوية الخطابات المدمرة اجتماعياً وسياسياً، يجب على الحكومة الجديدة أن تعمل بجد لتعزيز التسامح والوئام الوطني. ويعد بناء الثقة هو عنصر أساسي للنجاح لكن يجب بناؤها بطريقة من أعلى إلى أسفل ومن أسفل إلى أعلى، مع قيام النخبة السياسية العراقية بأخذ زمام المبادرة والقيادة بالقدوة.
• إيران وإسرائيل.. كيف غيرت المسيرات وجه الحرب في الشرق الأوسط؟
أما المجال الآخر الذي يحتاج إلى اهتمام خاص من الحكومة الجديدة هو السياسة الخارجية. وقد حققت الحكومات العراقية المتعاقبة تقدمًا ملموسًا في تحويل العراق من دولة مهمشة إلى لاعب إقليمي بارز في الفترة الأخيرة.
لقد حققت السياسة الخارجية المحايدة، مع المشاركة الإقليمية البناءة، بعض الفوائد السياسية والاقتصادية والأمنية المهمة للعراق. وسيأخذ الاستمرار على نفس السياسة العراق أبعد على طريق التكامل الإقليمي والدولي.
ويجب ألا يخجل العراق من الوقوف بقوة ضد التدخل الأجنبي. وفي الوقت نفسه، يحتاج العراق إلى العمل مع جيرانه لضمان عدم استخدام أي أراض عراقية كممر أو ملجأ للقوات التي تهدد أمنهم.
ويعد هذا الأمر مهما لإزالة أي ذريعة يستخدمونها للإبقاء على أي قوات بشكل غير قانوني أو القيام بعمليات عسكرية تودي بحياة عراقيين أبرياء.
كما تعد تحديات المناخ والتقاسم العادل لموارد المياه من الأولويات الهمة. يجب أن يجد العراق حلاً لمشكلاته المناخية والمياه قبل أن يصبح التعامل نع التداعيات أمرا مستحيلا.
• تقرير: لجم الاحترار المناخي يحتاج إلى استثمارات تتجاوز الـ 2 تريليون دولار سنويا
أما الأولوية الأخيرة الملحة فهي الاقتصاد. ويجب على الحكومة العراقية العمل مع مجلس النواب لإجراء الإصلاحات اللازمة التي تحفز الاستثمار وتنشط العديد من القطاعات الاقتصادية المشلولة.
وستظل الدولة تتحمل أعباء إضافية إذا استمرت في كونها مكان العمل الوحيد الذي يتطلع إليه العراقيون. ولا تحتاج البلاد موجات لا نهاية لها من الموظفين العموميين غير المنتجين الذين ينضمون إلى البيروقراطية بدلاً من تقديم مساهمات حقيقية للاقتصاد عبر استخدام خبراتهم ومهاراتهم التي يمكن أن تحدث فرقًا.
ولتحقيق هذه الغاية، يحتاج العراق إلى إعادة ضبط سياساته التعليمية على جميع المستويات وإعداد قوة عاملة جاهزة لمثل هذه الوظائف في العقود القادمة.
لقد فشلت سياسات التعليم والتخطيط الاقتصادي السابقة في تحقيق هذا الهدف وحان الوقت لإعادة النظر في مسار البلاد في هذه المجالات. وفي حين أن التفاؤل الحذر ضروري لإدارة الشؤون العامة وتسيير السياسة، إلا أنه ليس بديلاً مناسبًا لاستراتيجية جيدة.
وقد أظهر العراق بعد عام 2003 افتقاراً صارخاً للاستراتيجية على العديد من جبهات الحكم. ولكن لم يفت الأوان بعد لتصحيح هذا الوضع.