أكدت الصحافية السودانية “نسرين مالك” في مقال بصحيفة الغارديان البريطانية “أن جذور النزاع الدموي في السودان تعود إلى الصراع على السلطة الذي بدأ مع الإبادة الجماعية في دارفور قبل 20 عاما”.
واعتبرت نسرين مالك، وهي كاتبة عمود في الصحيفة، أن الانهيار الحاصل في السودان هو نتيجة لسلسلة من الإخفاقات والرضا عن الذات، حتى افترض مَن هم في الحكم أنهم سيبقون فيه للأبد، إلى أن خاضت مجموعة شبه عسكرية، هي قوات الدعم السريع، والجيش السوداني حربا تتمحور حول من يمسك بزمام الأمور، وحاصروا الشعب بين الجانبين.
تتأسف الكاتبة على تحول عاصمة البلاد، الخرطوم، إلى منطقة حرب مع مشاهد سريالية للدبابات والضربات الصاروخية وتصاعد أعمدة الدخان في جميع أنحاء المدينة. وترى أن الصراع اندلع بالضبط بعد أربع سنوات من نجاح ثورة كبيرة، تمكنت رغم كل الصعاب، من الإطاحة بالرئيس عمر البشير بعد ما يقرب من 30 عاما من الديكتاتورية.
وترى الكاتبة أن “مأساة السودان هي مأساة بلد تجرأ على طلب المزيد وهو الآن يعاقَب عليه. لينضم إلى مسيرة قاتمة من الدول العربية التي أطاحت، على مدى السنوات العشر الماضية، بالديكتاتوريين، ثم رأت آمالها في الديمقراطية تتحطم”.
وتضيف أن الأمر ببساطة هو أن النظام القديم أعاد تأسيس سلطته، إلا أنه أصبح هذه المرة أكثر وحشية. والدولة تعيش أسوأ السيناريوهات التي حدثت في ليبيا واليمن وسوريا، حيث انزلقت إلى حروب أهلية، مما أدى إلى نزوح جماعي للاجئين، يجعل الرحلة إلى أوروبا محفوفة بالمخاطر.
وترى الغارديان أن “أحداث الأسبوع الماضي بدأت قبل 20 عاما في منطقة دارفور الغربية المهمشة، حيث تم بوحشية قمع تمرد ضد الحكومة من قبل مجموعة من المقاتلين تسمى الجنجويد. ولم يكن البشير -الذي وصل إلى السلطة من خلال انقلاب عسكري مدعوم من الإسلاميين في عام 1989- راغبا في إرسال جيشه إلى المعركة. وبدلا من ذلك، قام بإذكاء الخلافات القبلية والعرقية ودعم الجنجويد للعمل كوكيل لصالحه، حيث قُتل مئات الآلاف، وتعرضت النساء للاغتصاب بشكل منهجي، وتشرد الملايين”.
وتضيف الصحيفة: “لقد أثارت الإبادة الجماعية متابعة دولية وعقوبات، ووجهت المحكمة الجنائية الدولية الاتهام إلى البشير، لكن لم يتغير شيء داخل السودان. وأصبح الجنجويد رسميا في قوات الدعم السريع، وصاروا أكثر قوة في ظل زعيم الحرب محمد حمدان دقلو (المعروف باسم حميدتي)، حيث نمت طموحاته عندما حماه البشير وأطلق له العنان لمراكمة النفوذ والأصول. لكن حميدتي لم يلتزم بالصفقة، وتراجع عن مطالب الديمقراطية في عام 2019، وساهم إلى جانب الجيش، في إقصاء البشير جانبا”.
وتلقي الغارديان بالمسؤولية على من تصفهم بأنهم “أبطال آخرون حاصروا مصير السودان، حيث طبق المجتمع الدولي عقوبات خرقاء لم تفعل سوى القليل، لكنها أضعفت قدرة الشعب السوداني على مقاومة حكومته الاستبدادية. وقامت مجموعة من الحكومات والملكيات غير الديمقراطية في شمال إفريقيا والشرق الأوسط بدعم الجيش والميليشيات بعد ثورة 2019، من أجل القضاء على احتمالات ازدهار الديمقراطية في ساحاتهم الخلفية؛ ومؤخراً دخلت روسيا في شراكة مع المليشيات السودانية لاستخراج الذهب وتحقيق مصالح أمنية”.
وتعتبر نسرين مالك أن “المسؤولية لا تقع فقط على القادة المحليين واللاعبين الدوليين. فبين أولئك الذين علقوا الآن في منازلهم تحت مرمى النيران، كان هناك خيار مشترك واعتقاد قصير النظر، بأن ما حدث خارج الخرطوم هو أمر لا يهمهم. لقد خلق نظام البشير طبقة كبيرة ازدهرت في ظل حكومته وشجعتهم رعايته لها على تجاهل الأحداث عمدا”.
وتخلص الكاتبة إلى أن الحرب التي تمزق الخرطوم الآن هي مجرد تذوق لمرارة ما عانته مناطق عدة في جميع أنحاء البلاد على مدى سنوات، بينما كانت العاصمة تتمتع حينها بالسلام وأوقات الرخاء. وقد أدى هذا الانفصال (في المعاناة) إلى تعزيز الاستياء المرير، وتقسيم الهوية الوطنية، وبقاء منطقة نائية شاسعة ينعدم فيها القانون ويزدهر فيها المرتزقة وأمراء الحرب.
وتشدد على أنه سرعان ما تم إحباط فترة الأمل القصيرة التي عاشها السودان في أعقاب ثورة 2019. وسرعان ما تلاشت الشعارات التي تدعو إلى الديمقراطية، حتى لو تم ترديدها في جميع أنحاء البلاد، وحلّت مكانها مطالب من مختلف الفصائل والجماعات المتمردة والأحزاب المدنية ومصالح النخبة، وهؤلاء جميعا لديهم فكرة مختلفة عن السودان لما بعد الثورة.
وتختم الكاتبة بالقول إن “ما يجري الآن في السودان هو فترة مظلمة بلا شك. لكن ربما يكون هناك بعض الأمل، إذا كان ذلك يعني أن الشعب السوداني يدرك مرة واحدة وإلى الأبد أن السلام بالنسبة للبعض لن يدوم أبدا، ما لم يكن هناك سلام للجميع”.