بعد انتهاء بطولة كأس العالم، وتوقعات عودة قطر إلى وتيرتها الهادئة بعد أكثر من عقد من الاستعدادات المكثفة، يبقى الرهان الجديد اليوم أمام الدوحة، بحسب “بلومبرغ”، استثمار كل ما بنته خلال السنوات الماضية، ومنع تحوله إلى مشاريع غير مجدية اقتصاديا ولا تحقق عوائد مجزية.
ويلفت التقرير إلى أن الإمارة الخليجية الغنية باحتياطيات الغاز، وضعت خلال استعداداتها لاحتضان البطولة العالمية خططا، تتجاوز بكثير احتياجات الأعمال والسياحة بالبلاد.
الرئيس التنفيذي للعمليات في مؤسسة “قطر للسياحة”، برتولد ترينكل، قال في إشارة إلى سنوات المناقشات مع اللجنة المنظمة لكأس العالم: “ظللت أخبرهم دائما أنني قلق بشأن يوم 19 ديسمبر، بعدما تنتهي البطولة، لأنه بعدها سنعود إلى الحياة العادية”.
خطط المستقبل
وتعتبر الدوحة أن استثماراتها التي تجاوزت 300 مليار دولار في تحضيراتها للمونديال، شملت خططا لمحاولة خفض اعتماد اقتصادها على النفط والغاز، من خلال خلق مصادر أخرى للثروة والنمو.
مع ذلك، يؤكد رجال أعمال ومستثمرون، أن مسار بناء اقتصاد غير قائم على عائدات الطاقة، قد يحتاج إلى حزمة مساعدات حكومية لتفادي “الصدمات الاقتصادية المتوقعة”.
كبير مسؤولي الاستثمار في شركة قطر للتأمين في الدوحة، جيراج دوشي، يؤكد أن أكثر القطاعات المعرضة للخطر هي العقارات والضيافة وقطاع الصناعات الغذائية.
وقال “القدرات الهائلة التي تم خلقها لاستضافة هذا الحدث الضخم، سوف تستغرق وقتا طويلا ليتم استيعابها، مما سيؤدي إلى تباطؤ الاقتصاد أو انكماشه”.
وأضاف المسؤول في شركة قطر للتأمين، أن هذا الوضع “قد يضغط على مقرضيهم، لكن التأثير سيخفف مع قوة المالية القطرية وزيادة إنفاقها لتعزيز إنتاج الغاز”.
الدوحة خالية من جديد
ويلفت التقرير إلى أن الدوحة، كانت بالفعل خالية بالفعل قبل أيام من المباراة النهائية التي جمعت فرنسا والأرجنتين، وانتهت بفوز هذه الأخيرة بلقبها العالمي الثالث.
وبعد أن امتلأت الأحياء التجارية والسكنية التي عادة ما تكون فارغة في الأيام العادية بالزوار والسياح الأجانب خلال أيام المونديال، تشير الصحيفة إلى أنه، حتى قبل الحفل الختامي بدأ المشجعون بالعودة إلى بلدانهم، وكذلك فعلت أعداد كبيرة من العمالة الوافدة.
في هذا السياق، تتوقع وكالة “فيتش” للتصنيفات الائتمانية، انخفاض عدد سكان البلاد بنسبة 8 بالمئة، في عام 2023 ليستقر عند حوالي 2.7 مليون، مع عودة العاملين في مشاريع كأس العالم إلى دولهم الأصلية.
ومنذ عام 2020، يورد التقرير، كان ما يقرب من نصف سكان البلاد، من العمال الأجانب ذوي الأجور المنخفضة.
دفعة اقتصادية
من جانبه، يقول علي السالم، وهو مستثمر كويتي وشريك في شركة أركان الاستشارية: “سيكون من الأسهل الاحتفال بكأس العالم، باعتباره فوزا للقلوب والعقول لقطر وللعالم العربي، وترك الأمر عند هذا الحد”، مضيفا “إنهم قادرون على تحملها” في إشارة إلى تكاليف المونديال.
واعتبر مسؤول حكومي في رده على طلب للتعليق، أن قطر استفادت من خلال تنظيم كأس العالم من دفعة اقتصادية، أدت إلى تسريع مبادراتها للتنويع الاقتصادي.
وتسعى قطر إلى بلوغ 6 ملايين زائر سنويا بحلول عام 2030، أي ما يقرب ثلاثة أضعاف الرقم المسجل في عام 2019، بعد أن أدخلت إصلاحات في مجال العقارات وفي قوانين الإقامة.
في هذا الجانب، يضيف المسؤول القطري: “كانت كأس العالم نقطة انطلاق تسويقية فريدة، لزيادة التعريف بهذه الوجهة السياحية”.
تحديات العقارات
وأدت الاستعدادات لاستضافة سياح ومشجعي المنتخبات المشاركة، في ارتفاع صاروخي لأسعار السكن بالبلد، بعد أن أجبرت الاتفاقات المبرمة بين الفيفا واللجنة المنظمة للمونديال، العديد من الفنادق إلى إخلاء غرفها من المقيمين قبل بداية البطولة.
وبعد انطلاق هذه المنافسات، أوضح التقرير، أن قطر أجّرت 60 ألف شقة سكنية للجماهير، مما أدى إلى تواصل ارتفاع أثمنة الإيجارات بنسبة تتراوح بين 20 و30 بالمئة، وفقا لتقديرات شركة، “كوشمان آند ويكفيلد” للعقارات، خلال شهر أكتوبر.
وأضافت أن هذا الارتفاع غير المسبوق في الطلب سيتبعه حتما انخفاض في الربع الأول من عام 2023.
وبتاريخ 19 ديسمبر بعد أن غادر معظم السياح، يتدافع الملاك لوقف خسائرهم، وتمتلئ مجموعات الفيسبوك الخاصة بالمقيمين الأجانب في قطر، بمنشورات لشكاوي المستأجرين الذين يقولون إن المأجرين يفرضون في عروضهم، عقودا لمدة عامين بأسعار مرتفعة.
وبحسب تقرير بلومبرغ، قد يمثل ضعف عائدات كأس العالم مشكلة للمباني السكنية والفنادق الجديدة التي تم تشييدها بمناسبة استضافة المونديال، وتابع أنه بحسب تقديرات أحد العاملين في القطاع، كان من المتوقع أن تسترد الفنادق الجديدة 15 بالمئة أو أكثر من تكاليف بنائها إذا كانت ممتلئة بالكامل خلال البطولة.
غير أنه بحسب المنظمين، حل بالبلاد نحو 765 ألف مشجع خلال الأسبوعين الأولين من البطولة، وهو رقم أقل من 1.2 مليون شخص، الذين توقعت الدوحة حضورهم.
وفرض تشييد الفنادق الجديد وافتتاح أزيد من 14 ألف غرفة جديدة خلال الأشهر الأخيرة فقط بقطر، واقعا جديدا على قطاع الضيافة بقطر، بسبب اكتظاظ السوق أمام انحسار الطلب المتوقع بعد المونديال، حيث تشير الأرقام الرسمية، إلى أن معدلات الإشغال قبل كأس العالم، كانت أقل من 60 بالمئة.
ومن المرتقب أن يتواصل تشييد مكاتب ومباني سكنية جديدة في مدينة لوسيل، بطاقة استيعابية تصل إلى حوالي 200 ألف شخص، مما يعني منافسة أقوى في المستقبل.
فرصة ذهبية
ويثق معظم المستثمرين وشركات التصنيف الائتماني، في أن الحكومة القطرية، ستتدخل في النهاية لتخفيف الصعوبات والمخاطر التي يمكن أن تواجهها.
وتشير الصحيفة في هذا السياق، إلى أن الوضع المالي للبلاد، أصبح أقوى، مستفيدا من الحرب الروسية بأوكرانيا ومساعي الدول الأوروبية إلى تأمين احتياجاتها من الطاقة بعيدا عن موسكو.
وبحسب المصدر ذاته، تعمل الدوحة على توسيع قدرتها لإمداد الغاز الطبيعي المسال بأكثر من 60 بالمئة، لافتا إلى أنها “تبرم صفقات تزويد طويلة الأجل مع الصين وألمانيا”.
في سياق متصل، يقول قال أكبر خان، مسؤول إدارة الأصول بشركة الريان للاستثمار ومقرها قطر، إن جهود صناع القرار لمواصلة تنويع وتنمية الاقتصاد غير الهيدروكربوني، عرفت زيادة كبيرة من خلال استضافة أكبر حدث في العالم”، مضيفا أن “سرعة ونجاح الإجراءات المستقبلية ستحدد مدى قوة استمرارية هذه المشاريع”.
وترى هيئات وشركات أخرى مثل “ترينكل” للسياحة في قطر، أن كأس العالم سوف يبعث نفسا جديدا في قطاع السياحة وذلك في ظل المساعي القطرية إلى خلق وجهة سياحية وتجارية قادرة على منافسة دبي.
ويأمل وكلاء العقارات والسياحة في أن تستمر الحكومة في سياسات تخفيف منح التأشيرات والإقامة لتشجيع المزيد من الاستثمارات الأجنبية.
في هذا الجانب، يقول عباس عوني، رئيس المبيعات في Land Royal Properties، إن استضافة البطولة، أدى إلى تسريع فهم أن من الضروري تغيير بعض القوانين لتطوير الاقتصاد.
وتابع: “كان احتضان كأس العالم فرصة وهدية ذهبية”، مضيفا أن على المسؤولين “مواصلة تسهيل الإجراءات على الأشخاص الذين يريدون أن يعيشوا في قطر للاستثمار فيها”.