لماذا تصعّد إسرائيل بمستوييها السياسي والعسكري تصريحاتها وتهديداتها المعلنة ضد إيران وحزب الله الآن؟ هل هي خطوة هجومية أم دفاعية؟ ولمن توجه الرسائل للخارج أم للداخل الإسرائيلي أيضا؟
ضمن هذا التصعيد اللفظي، شارك رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، فقال إن إسرائيل تفاجئ إيران دوما وسوف تفاجئ كل أعدائها.
في المقابل، حذر مسؤول إيراني من أن استهداف منشآت بلاده النووية، يعني إشعال حرب واسعة تتحمل إسرائيل مسؤوليتها. من جهته، أكّد حزب الله اللبناني أنه يمتلك قدرات لخوض أي معركة تفرض عليه.
وكان بيان صادر عن نتنياهو قال إنه تجول في الفترة الأخيرة بين معسكرات جهاز المخابرات والمؤسسة الأمنية، وأدهشته القدرات البشرية والتقنية لمواجهة التهديدات والتي تمكّن إسرائيل من مفاجأة أعدائها ومواجهتهم والتفوق عليهم مجتمعين. نتنياهو الذي اتهمته أوساط إسرائيلية في الماضي بأنه يستخدم “إيران” كفزاعة لترهيب الإسرائيليين، كسب النقاط وصرف الأنظار عن مشاكله الداخلية وعن إخفاقات حكوماته السابقة.
نتنياهو قال إن إسرائيل تفاجئ إيران دوما وسوف تفاجئ كل أعدائها، فيما حذر مسؤول إيراني من أن استهداف منشآت بلاده النووية، يعني إشعال حرب واسعة
المستويات السياسية والعسكرية
لكن نتنياهو لم يكن وحيدا في إطلاق التهديدات، فقد تبعه عدد من السياسيين والعسكريين، منهم قائد جيش الاحتلال هرتسي هليفي، الذي قال إن إيران تقدمت في تخصيب اليورانيوم على نحو غير مسبوق، مؤكدا في كلمة له أمام مؤتمر هرتزيليا للدراسة السياسية والإستراتيجية، أن إسرائيل تمتلك قدرة على ضرب إيران وما تحاول أن تبنيه حولها.
كما قال هليفي إن إيران تستخدم سوريا منطقة حرب محتملة مع إسرائيل، مشددا على أن حزب الله “مرتدع بشدة” عن شنّ حرب شاملة، وأن إسرائيل مستعدة جيدا على الجبهة الشمالية.
بالتزامن، صدرت عن رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي، تصريحات تصعيدية أخرى قال فيها إن نتنياهو سيحصل على دعم لضرب منشآت إيران النووية إذا استُنفدت كل الطرق. وفي إشارة للتحصينات الإيرانية في جوف الأرض، قال هنغبي بشكل غير مباشر: “سنصل لكل هدف في إيران أينما كان”، معتبرا خلال محاضرة في مؤتمر هرتزيليا المذكور، أن تخصيب إيران اليورانيوم بنسبة 90% خط أحمر لكل العالم.
وتابع مهددا: “إسرائيل لا تضيع الوقت، ونجحت في تأخير المشروع النووي الإيراني، وواشنطن تعتقد أن الحل الدبلوماسي وارد لثني إيران عن مشروعها النووي، لكن إسرائيل تشكك في ذلك”.
وكان مسؤول إيراني قد قال للجزيرة، إن أي اعتداء عسكري على المنشآت النووية سيقابل برد واسع وغير مسبوق، مؤكدا أن تخصيب اليورانيوم يتم عند عتبة 60%، وأن كلام إسرائيل مجرد تحريض ودعاية. وشدد المسؤول الإيراني على أن طهران مستمرة في تطوير قدراتها العسكرية في كافة المجالات، وأن ذلك هو ما يزعج إسرائيل. من جهتها، قالت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) إن الولايات المتحدة تتبع نهجا حكوميا شاملا بشأن التعامل مع إيران وبرنامجها النووي.
مناورات وتصريحات حزب الله
جاءت هذه التهديدات المتبادلة بعد يوم من مناورات عسكرية لحزب الله في جنوب لبنان، حاكت اختطاف جنود واقتحام مستوطنة إسرائيلية، مما أثار ردود فعل وتهديدات إسرائيلية منها لرئيس شعبة الاستخبارات العسكرية أهرون حليفا، بقوله إن “الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله قريب جدا من ارتكاب خطأ يقود الأوضاع المتدهورة في المنطقة إلى حرب كبيرة”.
وتزامنا مع تصريحات إسرائيلية بأن سوريا باتت تتجرأ أكثر من السابق في تصريحات رموز نظامها الحاكم، قال حليفا، إن سماح بشار الأسد باستخدام أراضيه لإطلاق مسيّرات باتجاه إسرائيل، يجعل احتمال نشوب هذه الحرب أكبر، مطالبا بلاده بأن تستعد لذلك.
وصدرت تصريحات مشابهة عن وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت خلال زيارة تفقدية أجراها لفرقة غزة العسكرية وقاعدة حاتسور الجوية، وهي عمليا تتمة وإشارة إلى ما أدلى به هليفي في مؤتمر هرتزيليا عندما قال إن ثمة تطورات على مستوى الملف النووي الإيراني قد تدفع إسرائيل للتحرك.
كما قال غالانت إن سلاح الجو الإسرائيلي نفذ عملياته خلال المواجهة الأخيرة مع غزة بنجاح كبير، وكرّر إشارته لحزب الله بقوله أيضا إن الهدف الرئيسي الذي تستعد له إسرائيل في المرحلة الراهنة هو أكثر تعقيدا وصعوبة وأهمية، ويجب على سلاح الجو أن يكون مستعدا في كل لحظة.
رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية: حسن نصر الله قريب جدا من ارتكاب خطأ يقود الأوضاع المتدهورة في المنطقة إلى حرب كبيرة
مجلس الحرب
ولم تكتف إسرائيل بمثل هذه التصريحات والتهديدات، بل أعلنت وسائل إعلام إسرائيلية عن إبلاغ وزراء المجلس الوزاري السياسي الأمني المصغر (الكابينيت) بعقد جلسة قريبا لمناقشة التطورات في الجبهة الشمالية. وهذا الإعلان المسبق بحد ذاته، يستبطن تهديدا وإنذارا لأن “الكابينيت” يعقد عادة عند الأزمات وهو الجسم المخول باتخاذ قرارات الحرب والسلام.
من جهته، قال نعيم قاسم، نائب الأمين العام لحزب الله، إن الحزب مع “وحدة الساحات”، وإنهم يمتلكون “قدرات استثنائية لأي معركة تفرض علينا مع إسرائيل”، معتبرا أن ما تم عرضه في المناورة العسكرية “مجرد عينة مما لدينا، والصواريخ الدقيقة لم تعرض”. موضحا أن “المناورة العسكرية خرجت إلى الضوء برسائل مفادها أن الحزب جاهز دائما”.
مناشير إسرائيلية “توعوية” من الجو
تزامنا مع مناورة حزب الله، ألقت طائرة إسرائيلية يوم الثلاثاء، منشورات “توعوية” في جنوب لبنان ضمنتّها إشارات من الفقه الإسلامي، حذّرت فيها رعاة الماشية وسكان المزارع المحررة في تلال كفر شوبا ومزارع شبعا من اختراق الحدود، وهو ما يعرض الوضع للخطر.
وأعلنت (الوكالة الوطنية للإعلام) اللبنانية الرسمية أنه كُتب على المنشورات: “فكّر قبل أن تعمل. اختراقك للحدود ونشاطك يعرض الوضع للخطر وقد يؤدي إلى إصابتك، اتبع القاعدة الشرعية أن درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة”.
ورغم هذه التصريحات العالية والتهديدات الإسرائيلية المتتالية، يرى الباحث وعضو الكنيست والصحفي سابقا عوفر شيلح، أن هناك تهديدا من الشمال، وهناك تجاهل داخل البيت (في إسرائيل).
وضمن انتقاداته، يقول شيلح في مقال نشرته صحيفة (يديعوت أحرونوت) العبرية، اليوم الأربعاء، إنه في الوقت الذي تحذر فيه القيادة العسكرية من اقتراب موعد الانفجار مع لبنان، الذي يمكن ان يكون محرّكا لحرب على عدة جبهات، فإن الحكومة على ما يبدو لا تستخلص العبر ولا تتخذ القرارات المتعلقة ببناء القوة والاستعداد لكل الاحتمالات.
محاولة استباقية
يبدو أن التهديدات الإسرائيلية المباشرة والصريحة لإيران وحزب الله في اليومين الأخيرين، تطلق عدة سهام نحو أهداف مختلفة، في محاولة استباقية لمنع تدهور أمني محتمل على الجبهة الشمالية.
وفيما يتعلق بإيران على الأقل، تفضل إسرائيل استمرار مواصلة الحرب السرية ضدها وهي ما زالت غير قادرة على شن حملة عسكرية على إيران بدون الولايات المتحدة التي تتحفظ من الفكرة، وبالذات الآن في ظل حكومة يمينية متشددة في إسرائيل فيها وزراء إرهابيون.
نتنياهو بتجربته يدرك أنه رغم استمرار التعامل مع إسرائيل كـ”ابنة مدللة” في الغرب، لكن شرعية حرب كهذه محدودة في ظل انتقادات واسعة لتصريحات وانتهاكات بن غفير وسموتريتش وغيرهما من الوزراء العنصريين.
وتدلل هذه التصريحات علاوة على تسريبات إسرائيلية وقراءات ما بين الكلمات، على أن إسرائيل تخشى من تجرؤ غير مسبوق لدى إيران وحلفائها على خلفية السجالات الداخلية في إسرائيل والتي عكست صورة ضعف.
تعرب أوساط إسرائيلية عن خوفها وقلقها الكبير مما تسميه “وحدة الساحات” حيث ينضم حزب الله للمعركة بشكل مباشر أو غير مباشر
سيناريو وحدة الساحات
تعرب أوساط إسرائيلية واسعة وبأشكال مختلفة في الشهور الأخيرة، عن خوفها وقلقها الكبير مما تسميه “وحدة الساحات” من خلال استغلال الأوضاع المحتقنة والمتفجرة داخل الأراضي الفلسطينية والاستفادة من اعتداء على القدس أو على الأقصى يدفع نحو هبة واسعة كما حصل في مايو/أيار 2021، كي ينضم لها حزب الله بشكل مباشر أو غير مباشر للانتقام من الضربات الإسرائيلية المتتالية والمهينة لأهداف تابعة لإيران وحزب الله في سوريا.
وسبق أن أعلن الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله، أن استمرار القصف الإسرائيلي لهذه الأهداف في سوريا دون رد، هو تقدير إسرائيلي خاطئ.
إسرائيل التي خبرت فداحة الحرب مع حزب الله عام 2006 وتدرك كمية الصواريخ الدقيقة الكثيرة التي بحوزته، تخشى من اندلاع حرب جديدة في الشمال تلحق ضررا كبيرا جدا بلبنان، لكنها ستلحق أضرارا هائلة بالعمق الإسرائيلي.
حتى الآن، تعتبر إسرائيل أن حزب الله مرتدع منذ تلك الحرب. ولكن هناك أوساطا إسرائيلية تنتقد السماح لحزب الله بمضاعفة قدراته والتردد في مهاجمته ومنعه من امتلاك تهديد استراتيجي حقيقي خوفا من نتائج حرب لبنان الثالثة على الجبهة الداخلية في إسرائيل، حيث هناك توقعات بمقتل آلاف الإسرائيليين جراء الصواريخ الدقيقة، لأن القبة الحديدية لن توفّر شبكة أمان كافية.
ولا شك أن هذه الأوساط الإسرائيلية توجه رسائل للإسرائيليين أيضا تحضرهم وتعدهم لمثل هذا السيناريو الدامي، كجزء من مساعي الحفاظ على قدر من الحصانة المعنوية وعلى التماسك الداخلي في حال نشبت حرب مدمرة. وهناك من يرى وبحق، أن نتنياهو يستثمر هذه الأجواء ويعود لاستخدام إيران فزاعة ليقنع الإسرائيليين بأن إسرائيل بحاجة لقائد قوي يفهم بالأمن ومجرّب، وذلك من أجل كسب نقاط وزيادة شعبيته في معركته الداخلية الصعبة.
(القدس العربي)