ترقبت الأسواق ارتفاعا في أسعار النفط عالميا بعد دخول سقف مجموعة السبع لأسعار النفط الخام الروسي حيز التنفيذ، هذا الأسبوع.
خصوصا أنه، لمواجهة إذلال القوى الغربية التي تملي عليها السعر الذي تجنيه من بيع نفطها، هددت روسيا بوقف الصادرات إلى أي دولة تلتزم بسقف السعر. وفي غضون ساعات، ظهرت اضطرابات في الإمدادات حيث اصطفت ناقلات النفط في طوابير بمضيق البوسفور.
هذا فضلا عن أن قرار مجموعة السبع جاء بعد أسابيع من مفاجأة منظمة “أوبك بلس” السوق بالإعلان عن تخفيضات كبيرة في الإمدادات.
فهذه العوامل مجتمعة من شأنها أن تدفع أسعار النفط للارتفاع بشكل حاد.
إلا أنه رغم كل ذلك، استقر خام برنت، الخميس، عند 76,15 دولارا للبرميل، وهو مستوى منخفض جديد خلال العام 2022. وبدلا من ارتفاع الأسعار، تراجعت العقود الآجلة لخام برنت بنسبة 11 في المئة تقريبا إلى أدنى مستوياتها في عام. وانخفض غرب تكساس الوسيط الأميركي، إلى أدنى مستوى له منذ ديسمبر 2021، وانخفض 0,6 في المئة الجمعة إلى 71,02 دولارا للبرميل. فما الذي يحصل في الأسواق؟
أشارت صحيفة وول ستريت جورنال إلى أنه عدم ارتفاع أسعار النفط يُعدّ انتصارا مبكرا للمسؤولين الأميركيين الذين سعوا إلى عدم تسبب العقوبات الأوروبية في التأثير على تجارة النفط الخام العالمية.
ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن تجار والمسؤولين إنه من السابق لأوانه إعلان النصر في تحقيق أهداف العقوبات على النفط الروسي، لكن هذه العقوبات اجتازت اختبارها الأول في عدم التسبب في زعزعت سوق النفط. خصوصا أن ضعف السوق في الأسابيع الأولى من الحرب الروسية على أوكرانيا أدى إلى دفع سعر خام برنت إلى ما يقرب من 140 دولارا للبرميل.
وقال المتحدث باسم وزارة الخزانة الأميركية مايكل جوين: “نشعر بالارتياح لأننا لم نشهد ارتفاعا كبيرا أسعار النفط بعد أن توقع كثيرون أن الأسعار ستقفز في حال لم يُقر سقف الأسعار”.
عرض النفط الروسي مرتفع
صُمّم الحد الأقصى للسعر الذي حدد عند 60 دولارا للبرميل “لعدم استخدام روسيا الزيادة الحادة في الأسعار لإضعاف قدرة التحالف الغربي على دعم أوكرانيا وللحد من قدرات روسيا، وفق ما قال كبير مستشاري الطاقة للرئيس الأميركي جو بايدن، أموس هوكستين.
بالإضافة إلى ذلك، صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الجمعة، أن سقف السعر المحدد يتوافق مع المستوى الذي كانت روسيا تبيع عنده نفطها من قبل، ما يشير إلى أن الإجراء سيكون له تأثير محدود على الميزانية الروسية.
وتابع: “لن نتكبد خسائر تحت أي ظرف من الظروف”، معتبرا أن روسيا يمكنها زعزعة استقرار سوق النفط ردا على العقوبة، وذلك بخفض إنتاجها “إذا لزم الأمر”.
ورفضت روسيا التعامل مع أي مشتر يريد الاستفادة من الحد الأقصى للسعر، لكن المسؤولين الغربيين يقولون إن مستوى الـ60 دولارا يساعد شركات التكرير الآسيوية في التفاوض على أسعار أقل.
وبيع النفط الروسي عند نحو 53 دولارا للبرميل بعد ظهر الجمعة، وفقا لبيانات رويترز.
ويقول الخبراء إن العرض الروسي في السوق لا يزال مرتفعا كما كان على مدار العام وأن أي انخفاض لن يكون أثره ملموسا إلا في وقت لاحق من الفصل الأول من عام 2023، حسب ما ورد في تقرير لـ”فايننشال تايمز”.
تأثير قرار “أوبك بلس” محدود
أعلنت السعودية وروسيا وحلفاء آخرون في “أوبك بلس”، أكتوبر الماضي، عن خفض مليوني برميل يوميا في حصص الإنتاج، أي ما يعادل نحو 2 في المئة من الإمدادات العالمية.
لكن أسعار النفط تراجعت. وحافظت “أوبك بلس” على أهداف الإنتاج خلال اجتماعها الأحد الماضي.
مخاوف انخفاض الطلب على النفط أثّرت على الأسعار
بعد أشهر من القلق بشأن اضطرابات الإمدادات، يركز التجار الآن على المخاوف من الركود العالمي، فالبنوك المركزية ترفع أسعار الفائدة للجم التضخم الذي يرتفع إثر الحرب الروسية على أوكرانيا، حسب ما جاء في تقرير فايننشال تايمز.
خصوصا أن الصين والولايات المتحدة، هما أكبر مستهلكين للطاقة في العالم. ففي حين يؤثر الركود والتضخم على طلب الطاقة في الصين، تؤدي سياسة صفر كورونا في الصين بالإضافة إلى اقتصادها المتأثر بالأزمة بشدة إلى أن إجمالي استهلاكها النفطي هذا العام سيكون أقل مما كان عليه خلال العام 2021، وفقا لوكالة الطاقة الدولية.
أسعار النفط قد تقفز من جديد
يقول محللون إن أي انخفاض في الإمدادات الروسية قد يكون ملموسا العام المقبل فحسب، معتبرين أن طلب الصين الضعيف لن يدوم، وفق فايننشال تايمز.
الاختبار التالي للعقوبة على روسيا
تشير صحيفة وول ستريت جورنال إلى أن الاختبار التالي للعقوبات الأوروبية يبدأ عندما تعلن روسيا ردها.
فقد قال مسؤولو الكرملين إن موسكو لن تسمح للشركات بالالتزام بالسقف، لكن لا يوجد أي إشارة إلى أن روسيا سترد بخفض الإنتاج. وصرح بوتين إن روسيا تدرس إجراءاتها.
ولا يتوقع المحلل في سيتي غروب، أركادي جيفوركيان، حدوث الكثير من الاضطرابات في مستويات إنتاج النفط في روسيا. ويتوقع أن ينخفض الإنتاج الروسي بما يصل إلى 500 ألف برميل يوميا، مقارنة بتوقعات سابقة تصل إلى 3 ملايين برميل يوميا.
وقال إن “المشكلات اللوجستية ستعالج وسيعاد تحويل التدفقات التي كانت متجهة إلى أوروبا”.
وصرح بوتين، الجمعة، إن موسكو لن تتعرض للخسارة بسبب سقف سعري فرضه الغرب على صادرات النفط الروسي وإن الأوضاع المالية للحكومة ستصمد بشكل جيد.
ووصف الخطوة بأنها “غبية” مشيرا إلى أنها ستؤدي لارتفاع “حاد للغاية” في أسعار الطاقة بالنسبة لمن فرضوا هذا السقف. وكرر أن بلاده لن تبيع النفط لمن ينصاعون لهذا السقف المحدد بستين دولارا للبرميل والذي فرضه الاتحاد الأوروبي ومجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى وأستراليا.
وقال إن موسكو تجهز ردا ستعلنه في الأيام القليلة المقبلة، حسب ما نقلت رويترز.
لماذا العقوبة على روسيا ضرورية؟
سبق أن حذر محللون من أن العقوبات على النفط الروسي ستكون “مدمرة حقا” لأسواق الطاقة إذا فشلت الدول الأوروبية في تحديد سقف للأسعار، وفق ما تقرير سابق لشبكة سي أن بي سي.
فقد وافقت 27 دولة في الاتحاد الأوروبي في يونيو على حظر شراء النفط الخام الروسي اعتبارا من 5 ديسمبر.
لذلك، فإن المخاوف (السابقة) من أن الحظر الكامل قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط الخام، هي ما دفع مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى إلى التفكير في وضع حد أقصى للمبلغ الذي ستدفعه مقابل النفط الروسي.
ووفقا لمدير الطاقة والمناخ والموارد في مجموعة أوراسيا لاستشارات المخاطر السياسية، هينينغ غلويستين، فإن فرض حظر تام على الواردات الروسية يمكن أن يكون “مدمرا حقا” للأسواق.
واعتبر غلويستين، في حديث سابق لـ”سي أن بي سي” أن “احتمال ارتفاع أسعار النفط هو سبب ضغوط الولايات المتحدة للموافقة على وضع هذا السقف”.