وصف رئيس النظام السوري بشار الأسد العلاقات التي تربط بلاده بإيران بالثابتة والمستقرة منذ أكثر من أربعة عقود على رغم العواصف الشديدة السياسية والأمنية التي ضربت منطقة الشرق الأوسط، وجاء ذلك خلال اجتماعه مع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الذي وصل إلى دمشق صباح اليوم الأربعاء حيث أقيم له استقبال شعبي ورسمي.
ووصف الأسد العلاقة بين البلدين بأنها بنيت على “الوفاء” منذ عام 1980 لمدة ثماني سنوات، فوقفت سوريا مع إيران على رغم التهديدات والمغريات، ولم تتردد طهران بدعم دمشق طوال 12 عاماً على رغم التهديدات والمغريات أيضاً وقدمت الدعم السياسي والاقتصادي بل “الدماء وهذا أغلى ما يقدمه الإنسان لأخيه الإنسان”، وتابع “الرؤية المشتركة ميزت بين الواقعية السياسية والمقامرة السياسية، ونحن وأنتم لم نقامر ولم نضع مصيرنا بيد الأجنبي، وإنما راهنا على انتصار الحق بالنهاية”.
ورأى مراقبون أن زيارة الرئيس الإيراني جاءت بتوقيت استثنائي، بخاصة بعد كثافة الضربات الإسرائيلية من جهة، على مواقع إيرانية في سوريا، كان آخرها عشية الزيارة، إذ قصفت تل أبيب مطار حلب الدولي شمالاً وأخرجته عن الخدمة، فضلاً عن سقوط ضحايا مدنيين وإحداث أضرار بالبنى التحتية للقرى المجاورة وفي منشآت صناعية.
عزلة العاصمة السورية
تأتي الزيارة بعد عودة العلاقات بين الرياض وطهران وسوريا، وهو أمر اعتبره فريق من الموالاة بداية فك عزلة العاصمة السورية، مرجحاً في الوقت ذاته زيارات رئاسية أخرى لقادة عرب.
يقول الباحث المتخصص في الشأن الإيراني سعد الشارع “اليوم، ظروف سوريا وما يحيط بها، تغيرت بدءاً بعودة العلاقات الدبلوماسية مع السعودية التي يمكن أن تؤثر في الملفات الإقليمية في المنطقة، لا سيما التي تعني إيران إن كان في دول كاليمن وسوريا ولاحقاً في لبنان والعراق” وأضاف “هناك مسار تفاوضي يمكن أن يكون الأكبر من نوعه، وهو المسار الرباعي الذي تدعمه روسيا وتركيا، ومن المتوقع أن يكون هناك اجتماع لوزراء خارجية الدول الأربع (روسيا وإيران وتركيا وسوريا) في موسكو خلال الأيام الـ 10 المقبلة، وتأتي الزيارة كتثبيت للحضور الإيراني، إذ يرجح توقيع عقود استثمار بلوكات نفطية وإدراج استثمار أراضٍ جديدة”.
حضور عسكري
ومعلوم أن طهران وسعت حضورها العسكري في سوريا منذ عام 2013 إثر حراك شعبي في 2011 طالب بإسقاط النظام وذلك من خلال خبراء وشخصيات عسكرية وآلاف المقاتلين.
وكان المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني قال “كما وقفت إيران إلى جانب سوريا في مرحلة محاربة داعش ستتمكن أيضاً من الوقوف معها بمرحلة إعادة الإعمار”.
الملف الاقتصادي
وبدا واضحا أن الملف الاقتصادي له حيز مهم إلى جانب سائر الملفات الأمنية والسياسية والعسكرية، ويعتقد مراقبون بأن الاتكاء على الحلفاء مثل إيران وروسيا يكبد البلاد كلفاً عالية، لكن، في المقابل، يرى خبراء الاقتصاد أن الأمر لا مناص منه لسوريا وسط مقاطعة أجنبية وعربية.
ورأى الباحث في الشأن الإيراني سعد الشارع أن طهران تريد إرسال رسالة عبر زيارة رئيسي لدمشق وقال “هناك خشية إيرانية من ممارسة ضغوط كبيرة عليها بوجودها في هذا البلد، لا سيما بعد كثرة الضربات الإسرائيلية على مواقعها ومنها المطارات، وهذه الزيارة تثبت أن فك الارتباط بين دمشق وطهران لا يمكن أن يحصل على رغم كل أوجه تقارب عودة سوريا للحضن العربي”.
في المقابل تتابع تل أبيب هذه الزيارة بقلق وتصفها بالتطور الخطر، ولفتت القناة الـ”13″ الإسرائيلية إلى أن رئيسي سيعقد لقاءات مع الأسد وأضافت “طهران تريد توحيد محور إيران – حزب الله – حماس – الجهاد، وهذا ما يجعلها تقوم بخطة جديدة في شأن سياسة الشرق الأوسط “.
وسط هذه الأجواء وقع الجانبان الإيراني والسوري مذكرات تفاهم عدة لخطة تعاون مشترك إستراتيجي وطويل الأمد في مجالات الزراعة والسكك الحديدية والاعتراف المتبادل بالشهادات البحرية بين البلدين والمناطق الحرة ومذكرة تفاهم في المجال النفطي.
زيارة تاريخية
وقال الباحث في الشؤون الخارجية السورية محمد هويدي “إنها زيارة تاريخية ترسم مرحلة جديدة في العلاقات التجارية والإستراتيجية وعمق العلاقات بين البلدين إذا ما عرفنا أن التنسيق العسكري قائم منذ 2012″، مضيفاً “هي مرحلة جديدة لإعادة الإعمار والأولوية في ذلك لإيران التي تعد شريكة أساسية في هذا العمل، ويمكن القول إن الزيارة هي إعلان بدء هذه المرحلة”.
وسبق لرئيس النظام السوري أن قام بزيارتين إلى طهران، الأولى في الأول من فبراير (شباط) عام 2019 والثانية في مايو (أيار) عام 2022 حيث التقى الرئيس الإيراني والمرشد الأعلى علي خامنئي.
وتستمر زيارة رئيسي إلى دمشق يومين واستقبل بحفاوة شعبية ورسمية، بخاصة في مناطق السيدة زينب في محيط العاصمة دمشق المعروفة بالحضور الإيراني، وبدت صور الرئيس الضيف حاضرة في شوارع العاصمة السورية.