روبرت هانتر – ريسبونسبل ستيتكرافت: ترتبط الكثير من التداعيات في منطقة الشرق الأوسط بالإجابة علي سؤال: ماذا تريد الحكومة الإسرائيلية حقًا من إيران؟. وبناء على هذه الإجابة أيضًا سيتقرر ما إذا كانت ستحدث حرب مفتوحة مع إيران تتورط فيها الولايات المتحدة، بما يحمله ذلك من تداعيات هائلة على المنطقة وخارجها.
وهناك افتراض في الولايات المتحدة بأن مخاوف إسرائيل تتعلق بشكل أساسي بالبرنامج النووي الإيراني وإمكانية امتلاكها قنبلة نووية أو أكثر في المستقبل القريب. ولا يمكن استبعاد هذا الاحتمال بشكل مؤكد، بالنظر إلى التعطل المتكرر لمحادثات فيينا واستغلال إيران ذلك لتسريع برنامجها النووي.
بالنسبة للجانب الأمريكي والإسرائيلي، فلم يعد هناك وقت تقريبا لإيجاد حل سريع على الأقل قبل الانتخابات الإسرائيلية في 1 نوفمبر/تشرين الثاني وانتخابات التجديد النصفي للكونجرس في 8 نوفمبر/تشرين الثاني.
ويؤثر الملف النووي الإيراني على السياسة الداخلية في إسرائيل والولايات المتحدة، بشكل كبير، حيث يثير هذا الملف قلق عدد كبير من القادة المهمين الذين لديهم نفوذ سياسي كبير، خاصة في الكونجرس والبيت الأبيض ووزارة الخارجية.
العرقلة الإسرائيلية لإحياء الاتفاقية
بذلت الحكومة الإسرائيلية جهودا كبيرة لعرقلة أي اتفاق نووي، حتى قبل التوصل لاتفاقية العمل الشاملة المشتركة، وتضمنت هذه الجهود دعوة غير مسبوقة من رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق “بنيامين نتنياهو” لجلسة مشتركة مع الكونجرس.
وقد أثر هذا الموقف، بالإضافة إلى ضغوط العديد من المانحين لحملة “دونالد ترامب”، على قرار الرئيس الأمريكي السابق بالانسحاب من الاتفاق في مايو/أيار 2018 وإعادة فرض العقوبات.
وتشتد الآن المعارضة الإسرائيلية لعودة إدارة “بايدن” للاتفاقية النووية، مع العديد من البيانات العامة وزيارات كبار المسؤولين الإسرائيليين إلى واشنطن للمطالبة بإلغاء الاتفاقية إلى الأبد.
يتم تبرير هذا المطلب بأن بعض أحكام اتفاقية العمل الشاملة المشتركة ستنتهي صلاحيتها على أي حال في غضون بضع سنوات، مع انتهاء صلاحية قرار مجلس الأمن (رقم 2231) في أكتوبر/تشرين الأول 2025.
بطبيعة الحال، تتجاهل المخاوف بشأن هذه النقطة السنوات الأربع التي أُهدرت منذ انسحاب “ترامب” من الاتفاق النووي مما دفع إيران إلى الرد من خلال إعادة تنشيط برنامجها النووي.
كما تتجاهل هذه التخوفات أن إيران قامت بعد يوم من بدء تنفيذ الاتفاق النووي في يناير/كانون الثاني 2016، بتصدير جميع اليورانيوم المخصب تقريبًا وسكب الخرسانة في مفاعلها النووي المنتج للبلوتونيوم. ولكن عندما انسحبت واشنطن من الاتفاق انتظرت طهران سنة كاملة قبل إعادة تفعيل برنامجها النووي.
مخاطر اندلاع الصراع العسكري
إذا لم يتغير أي شيء، فمن المحتمل أن تكون النتيجة تحرك إيران نحو إنتاج قنبلة نووية. وإذا حدث ذلك، فإن كلًا من إسرائيل وواشنطن يمكن أن يقرروا في المستقبل القريب ما إذا كان سيتم استخدام القوة العسكرية لتدمير القدرات الإيرانية النووية. وخلال الاجتماعات الأخيرة اللجمعية العامة للأمم المتحدة، جدد “بايدن” تعهده بعدم السماح لإيران بامتلاك سلاح نووي.
من الناحية النظرية، فإن إسرائيل قادرة على تدمير البرامج النووية الإيرانية باستخدام قدراتها العسكرية. ويمكن أن تدعمها الضربات الأمريكية بعيدة المدى، لكن من غير المرجح أن يتم تسليم بعض القدرات العسكرية الأمريكية الأكثر أهمية – خاصة ناقلات التزود بالوقود في الجو – إلى إسرائيل بحلول عام 2025.
ومع ذلك، من الصعب تصديق أن إسرائيل يمكن أن تنفذ هجومًا كبيرًا ضد إيران دون دور أمريكي مباشر في القتال.
وحتى لو لم تنضم الولايات المتحدة إلى الهجمات الإسرائيلية على إيران، فإن اعتبارها راعية لإسرائيل سيجعلها في مرمى انتقام طهران في جميع أنحاء المنطقة. علاوة على ذلك، سيتعين على إسرائيل تقييم التكاليف التي قد تتعرض لها، خاصة من “حزب الله” اللبناني الذي لديه القدرة على إلحاق خسائر جسيمة بإسرائيل، بالرغم من القدرات الدفاعية الإسرائيلية الكبيرة.
وبالتالي، من الصعب القول إن محاولات إسرائيل الحالية التي ركزت على منع واشنطن من الانضمام إلى الاتفاق النووي ستعزز أمنها في نهاية المطاف.
ومثل بعض الدول العربية، لدى إسرائيل مخاوف بشأن ما تعتبره تهديدات إضافية تشكلها إيران، خاصة دعم الإرهاب وعدم الاستقرار في أماكن مثل اليمن والعراق ولبنان.
وتريد هذه الدول تقويض النفوذ الإيراني في المنطقة، ويود بعض القادة الإسرائيليين أيضًا “تغيير النظام” في طهران أو حتى تفكيك إيران كدولة واحدة، كما حدث فعليًا في العراق مع غزو الولايات المتحدة الذي باركته إسرائيل عام 2003.
ولكن من منظور المصالح الأمنية للولايات المتحدة، فإن الرغبة الإسرائيلية والعربية في تدمير البرنامج النووي الإيراني تعد ثانوية للغاية. علاوة على ذلك، فإن أي هجوم عسكري يقوض قدرات إيران العسكرية بشكل كبير، سيدفع الدول العربية لإعادة النظر في في تطوير العلاقات مع إسرائيل، حيث لن يتكون هناك حاجة لذلك علي الأقل سياسيا. وقد يؤدي ذلك إلى انهيار “اتفاقيات أبراهام” التي استثمرت فيها كل من إسرائيل والولايات المتحدة.
العرقلة الإيرانية الموازية
من المهم ذكر أن إيران أيضًا تضع العراقيل في طريق محادثات فيينا وإحياء أو استبدال الاتفاقية النووية، حيث يحاول قادة إيران الحصول على صفقة تتجاوز المنصوص عليه في الاتفاقية النووية. وما زالت إيران تصر على ضمانات بأن الولايات المتحدة لن تنسحب مرة أخرى من أي صفقة يتم الاتفاق عليها، كما فعل “ترامب” في عام 2018.
علاوة على ذلك، حمّل رئيس إيران “إبراهيم رئيسي”
وخلال الاجتماعات الأخيرة للجمعية العامة للأمم المتحدة، حمّل الرئيس الإيراني “إبراهيم رئيسي” الولايات المتحدة مسؤولية تعطيل المفاوضات، فيما أكد مجددا على أهمية “الحوار والمفاوضات”.
باختصار، إذا نجحت جهود إسرائيل لمنع التوصل إلى اتفاق نووي، ومع ميل القيادة الإيرانية الحالية للمخاطرة، فإنها فرص الحرب ستزداد بشكل كبير، وستكون هذه الحرب كارثية بالنسبة للجميع.
ولا يعني ذلك أن إعادة إحياء الاتفاق النووي سيحل جميع المشكلات الأمنية والمشاكل الأخرى المتعلقة بإيران، لكن ما يزال ذلك أفضل خطوة أولية ضرورية.
وتعيدنا هذه المناقشة إلى البداية: ماذا تريد إسرائيل حقًا فيما يتعلق بإيران؟ هل فكرت جيدًا في العواقب المحتملة لسياساتها الحالية؟ أم أنها تتصرف فقط بشكل آلي دون أن تفهم أن مسارها الحالي ينطوي على خطر اندلاع صراع مفتوح سيورط الولايات المتحدة أيضا، مع عواقب سلبية للجميع ؟
لن تتخلى الولايات المتحدة عن إسرائيل، لكن من غير المرجح أن تقول “شكرًا” لها إذا حدثت حرب شرق أوسطية أخرى. ما يحدث يشبه المشي على حبل في مكان مرتفع دون شبكة أمان، ولا يمكن أن يكون ذلك نهجا جيدا.