28 يوليو، 2024 4:04 صباحًا
لوجو الوطن اليوم
ريسبونسبل ستيتكرافت يحذر من استراتيجية تغيير النظام في روسيا.. وهذه الأسباب
ريسبونسبل ستيتكرافت يحذر من استراتيجية تغيير النظام في روسيا.. وهذه الأسباب
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين

ريسبونسبل ستيتكرافت : مع تصاعد الهزائم الروسية في أوكرانيا خلال الشهر الماضي، تزايدت التكهنات حول بقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في منصبه، وكذلك الأحاديث في واشنطن وبين المعارضين الروسيين عن الحاجة لأن تتبنى إدارة بايدن استراتيجية “تغيير النظام” كاستراتيجية أمريكية معلنة.

ووفق هذا السياق، يجب أن تركز إدارة بايدن على العلاقة بين تغيير القيادة الروسية والبحث عن نهاية للحرب في أوكرانيا.

بقاء بوتين مهدد

سيكون من الجيد بالفعل إخراج بوتين من المشهد. وفي الواقع يجب أن يتنحى هو بنفسه. وربما يفعل ذلك ويسلم المنصب إلى خليفة يختاره بعناية، كما فعل الرئيس يلتسين عندما تنحى مبكرًا وعين بوتين ليخلفه.

وفي الواقع، سيتعين على بوتين أن يواجه الانتخابات في أوائل عام 2024، وقد يواجه هذه المرة معارضة خطيرة للغاية وقد يضطر إلى اللجوء إلى التزوير الضخم والعلني، أو القمع الشرس، أو كليهما للفوز.

ومع ذلك، من الأهمية بمكان ملاحظة أن هذه المعارضة لن تأتي من معارضي الحرب فقط، وإنما أيضًا من القوميين المتطرفين الذين يعتقدون أن الحرب يجب أن تكون أكثر قسوة، وهو ما يعد أخطر بالنسبة لـ”بوتين”.

وفي الأسابيع الأخيرة، كان هناك زيادة هائلة في انتقادات هذه الشريحة للسياسة الروسية، بما في ذلك من موالين سابقين لـ”بوتين”. وخلاصة القول أنه لا يوجد ضمان على الإطلاق أن خليفة بوتين سيكون أفضل، بل ربما يكون أسوأ.

وبعد قصف جسر شبه جزيرة القرم وإلقاء اللوم على “الإرهاب الأوكراني”، ردت روسيا من خلال شن هجمات صاروخية مكثفة ضد البنية التحتية المدنية في أوكرانيا.

بصرف النظر عن القضايا الأخلاقية والقانونية التي ينطوي عليها غزو أوكرانيا، فقد كان بوتين مسؤولاً بشكل شخصي عن حرب أوقعت روسيا حتى الآن في مأزق شديد. وفي بداية تلك الحرب، اجتهد بوتين وآلة الدعاية الخاصة به لتصوير الرئيس على أنه “صاحب القرار” وصورت حتى أفضل وزرائه على أنهم مجرد دمى.

لذا، لا يمكنه الآن التهرب من المسؤولية عن الهزائم التي حدثت. وبصرف النظر عن أي شيء آخر، تبدو صورة النظام الذي تأسس على جهاز الاستخبارات سيئة خاصة بعدم تبين القصور الكبير في أجهزة الاستخبارات المختلفة.

ويمثل بقاء بوتين في السلطة عقبة حاسمة أمام مفاوضات إنهاء الحرب في أوكرانيا، وهو الشئ الذي يرى قادة العالم أن تحقيقه ضروري وبشكل عاجل.

ومن خلال ضم أقاليم أوكرانية إلى السيادة الروسية (والغريب أن بعض الأراضي المضمومة لا تحتلها روسيا)، فقد جعل بوتين التوصل لتسوية أمرا شديد الصعوبة سواء بقي في السلطة أو جاء خليفة له.

وأخيرًا، فبالنظر إلى مسؤولية بوتين عن هذه الحرب، فإن التفاوض على حل وسط معه قد ينطوي على فقدان ماء وجه لا يرغب في التفكير فيه كثير من القادة الغربيين، بالرغم أن هذا قد يتغير إذا زادت معاناة شعوبهم بشكل كبير نتيجة للحرب.

خطورة استراتيجية تغيير النظام

ومع ذلك، سيكون من الخطأ الفادح أن يعلن بايدن أن تغيير النظام استراتيجية أمريكية، وكانت الإدارة الأمريكية محقة في تجنب ذلك. فأولاً، هناك الحقيقة البسيطة التي لا يمكن إنكارها بأن تبني الولايات المتحدة لهذه الاستراتيجية فشل في الغالبية العظمى من الحالات، مثل حالة كوبا التي فشلت فيها هذه الاستراتيجية لمدة 60 عامًا.

وفي بعض الأحيان، عززت هذه الاستراتيجية بالفعل النظام، وصعبت من الحصول على تنازلات لصالح الولايات المتحدة. وفي كل الحالات، سمحت للأنظمة الحاكمة بتشويه المعارضين الديمقراطيين من خلال وصفهم بأنهم “عملاء أمريكيون”. وفي حالة روسيا، من الضروري للغاية أن يُنظر القيادة التي تخلف بوتين باعتبارها نابعة من الداخل. وإذا كانت هناك أي إشارة بأنها من عمل الولايات المتحدة جزئيًا، فإن ذلك سيشوهها تمامًا، وربما يجعلها أقل قدرة على السعي للسلام.

ويجب أن يكون من المفهوم أنه بالرغم من زيادة المعارضة لـ”بوتين” نتيجة الخسائر الروسية، فإن قتل عشرات الآلاف من الجنود الروس بواسطة الأسلحة الأمريكية والمخابرات الأمريكية لم يزد من حب أمريكا، وبالتالي فإن مثل هذه الاستراتيجية الأمريكية ستكون بلا جدوى.

إن الخلط بين استبدال بوتين وحاشيته المباشرة بـ “تغيير النظام” ينطوي أيضًا على خطأ تصنيفي مضلل وخطير. بالنسبة لبعض المعارضة الروسية، فإن تغيير النظام يعني: الإطاحة الكاملة بالنظام السياسي الذي أنشأه بوتين، مثلما تجلى في دعوة المعارض الروسي أليكسي نافالني في مقاله بصحيفة (الواشنطن بوست)، حين دعا الغرب إلى تشجيع تحول الدولة الروسية واستبدال نظامها الرئاسي الحالي بنظام برلماني.

ويعني ذلك دعم الغرب لعملية ثورية في روسيا، لكن لا توجد حاليا قوة متماسكة أو منظمة في المجتمع الروسي يمكن أن تقود مثل هذه الثورة. ويمكن أن تتطور مثل هذه القوة على مدى فترة زمنية طويلة، ولكن بالنظر إلى المخاطر الحادة للحرب في أوكرانيا والمشاكل العالمية الناشئة عنها، فخيار الفترة الطويلة من الزمن غير متاح.

علاوة على ذلك، فليس هناك ما يضمن أن مثل هذه الثورة ستنتج نظامًا أكثر صداقة مع الغرب، أو أكثر ملاءمة لتسوية سلمية في أوكرانيا، أو أكثر احترامًا لحقوق الإنسان في روسيا.

البديل القومي المتطرف

بالنظر إلى المشاعر القومية الشديدة التي أثارتها الحرب، فمن الممكن أن تكون النتيجة نظامًا يمينيًا قوميًا إثنيًا متطرفًا، ولا ينبغي أن ننسى الحلالات الكثيرة التي أدت فيها الثورات التي دعمها الليبراليون في البداية إلى نتائج غير ليبرالية للغاية.

وقد توافق حكومة روسية مستقبلية على الانسحاب من الأراضي التي احتلتها موسكو، شريطة العثور على صيغة لحفظ ماء الوجه تسمح لموسكو بتنفيذ ذلك دون دون الظهور بمظهر المستسلم (على سبيل المثال، نزع السلاح ونشر قوة حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة في هذه الأراضي)، خاصة بالنظر إلى أن بوتين لم ينجح في الاستيلاء أو الاستمرار في السيطرة على جميع المناطق التي طالب بها.

ومع ذلك، ينبغي الانتباه إلى أن الغالبية العظمى من الروس تعتبر شبه جزيرة القرم وقاعدة سيفاستوبول البحرية أراض روسية لا يمكن التنازل عنها، وقد قارنها روسي من ذوي الميول الليبرالية، بهاواي وبيرل هاربور (وهي أراض تم ضمها بشكل غير قانوني كما أشار، وإن كان منذ وقت أطول)، وقال إن الأمريكيين مستعدون للتهديد بالأسلحة النووية أو حتى استخدامها للحفاظ على أمريكية هاواي، لذلك يجب أن يتفهموا استعداد روسيا لفعل الشيء نفسه في شبه جزيرة القرم.

لو أراد بايدن استبدال بوتين برئيس روسي مستعد للتفاوض على حل وسط في أوكرانيا، فعليه أن يجد طريقة ترسل إشارة للمؤسسة الروسية بأن مثل هذا الحل الوسط معروض بالفعل. لكن التصريحات الرسمية للحكومة الأوكرانية التي تتعهد باستعادة شبه جزيرة القرم تقضي فعليًا على أي حل وسط من هذا القبيل، وبالتالي تساعد في منع أي تحركات داخل المؤسسة الروسية للعثور على خليفة أكثر ليبرالية لـ”بوتين”، لأنها توحي بأن هذا الخليفة سيظل يواجه تهديدًا بالهزيمة الكاملة.

ولو استمر هذا الأمر، فقد تؤدي إخفاقات بوتين لاستبداله من داخل النظام، ولكن من المرجح أن يكون البديل متشددًا قوميًا، والذي سيلقي باللوم على بوتين في جميع الهزائم فيما يشن حربا أشد على أوكرانيا. وهذه نتيجة يجب على إدارة بايدن بذل كل ما في وسعها لمنعها.

زوارنا يتصفحون الآن