الزيارات الرسمية رفيعة المستوى إلى قطر مستمرة، حتى بعد فعاليات كأس العالم لكرة القدم التي تستضيفها الدوحة هذا العام. فبعد حضور وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وما يعنيه ذلك بعد قمة العلا، جاءت زيارة رئيس الإمارات محمد بن زايد إلى قطر لتكمل هذه المسيرة بين البلدين الذين لا يوجد بعثات دبلوماسية بينهما.
ووصل بن زايد الإثنين إلى قطر بدعوة من أميرها تميم بن حمد، الذي وجه للرئيس الإماراتي دعوة رسمية، وهذه الزيارة هي الأولى للشيخ محمد بن زايد إلى قطر منذ أن أصبح رئيسا للإمارات، وهي الأولى من نوعها منذ توقيع اتفاق العلا عام 2021، والتي كان الهدف منها إنهاء السعودية، والإماراتية والبحرينية والمصرية للخلاف مع قطر.
وأنهت قمة العلا ثلاث سنوات من القطيعة بين قطر وجيرانها، وكانت السعودية والإمارات والبحرين ومصر قد قطعت العلاقات الدبلوماسية وروابط التجارة والسفر مع الدوحة في منتصف عام 2017 متهمة إياها بدعم الإرهاب، وهو ما تنفيه.
انفراجة؟
يعتبر الخبير القطري، ورئيس الأكاديمية الديبلوماسية راشد بن سفر الهاجري بعد المصالحة واتفاق العلا، لا يمكن أن تعود العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والتجارية والأمور التفصيلية الأخرى سريعا، بين الإمارات وقطر، كما كانت سابقا، خصوصا أن قطر كانت منشغلة بالتحضيرات لكاس العالم، لذلك من المرتقب أن تفرج الأمور بحيث يسهل تنفيذ باقي البنود بعد المونديال”.
من جهته، قال المحلل السياسي الإماراتي نجيب الشامسي إنه “من المرتقب أن تعود العلاقة بين الشعبين والدولتين الجارتين”.
ولفت الشامسي إلى “التحديات التي تواجه المنطقة والتي لا بد من تواجد تكتل على صعيد دول مجلس التعاون الخليجي لمجابهتها”.
وقال الأمير تميم في تغريدة أرفقها بصور من لقائه مع محمد بن زايد: “(..) لنا زيارته التباحث حول سبل تعزيز العلاقات الأخوية بين بلدينا، وتبادل وجهات النظر حول القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك وفي مقدمتها سبل دعم الأمن والاستقرار في المنطقة”.
من جهته، قال الرئيس الإماراتي في تغريدة بعد وصوله إلى قطر: “وصلت إلى الدوحة التي تستضيف بنجاح بطولة كأس العالم لكرة القدم.. نبارك لأخي تميم بن حمد والشعب القطري الشقيق هذا التميز، وتمنياتي لهم دوام التوفيق والنجاح.. وسعدت ببحث العلاقات الأخوية وسبل تعزيزها وتطويرها بما يخدم المصالح المشتركة”.
علاقة قطر وإيران
وعن علاقة طهران بقطر، شدد الهاجري على أن “العلاقات الإيرانية مع بعض الدول الخليجية هي علاقات تاريخية، فإيران دولة مجاورة، وإن كانت تحمل بعض الأفكار والمشاكل تجاه بعض دول المنطقة، إلا أنها تظل دولة مجاورة، ولا نستغني عنها”.
واعتقد الهاجري أن “التحالفات الحالية سيعاد صياغتها من جديد، وسيحصل توافق عليها بين الدول الخليجية، وقد تبقى بعض الأمور التفصيلية خارج إطار التوافق، إلا أن المشاكل الاستراتيجية الكبيرة يمكن حلها والتوصل إلى صيغة تناسب كل الأطراف”.
وشدد الهاجري على أنه لا يجب أن “تكون العلاقات الجيدة بين إيران وقطر عقبة كبيرة”، وأرى أن “الأشقاء سيتجاوزون هذه العقبة”.
ولفت الهاجري إلى أن “الأمور الاستراتيجية الكبيرة متفق عليها إلى حد كبير، ونرى اللقاءات الأخوية التي تعقد بين الزعماء، ونتجه نحو تجاوز التفاصيل الصغيرة المتبقية في الفترات المقبلة”.
وبالنسبة إلى الإمارات، قال الشامسي إن “الجميع يشعر بحقيقة التحديات التي تواجه منطقة مجلس التعاون الخليجي، ويجب تصحيح بعض المسارات المتبعة في المنطقة”.
وتابع الشامسي أننا “أمام تكتل روسي – صيني، وأوروبي -أميركي، وهذا بحد ذاته عقبة أمامنا، ونحن منطقة التعاون الخليجي بتنا تحت تأثير هذا الصراع بين الكتل، لذلك وجب علينا التفاهم”.
واعتبر أن الموضوع لا يكمن في تحديد بأي محور يجب أن نكون”، موضحا أن “زيارة الرئيس الصيني إلى السعودية تأتي في إطار سياسي، وأن هناك أيضا بعض الأهداف الاستراتيجية. فالاقتصاد يلعب دورا مهما في العلاقات بين الدول، والحروب الحالية بين دول العالم هي حروب اقتصادية وليست سياسية أو عسكرية”.
تستضيف السعودية قمة صينية عربية في التاسع من ديسمبر يحضرها الرئيس الصيني شي جين بينغ، ومن المتوقع أن يبحث قادة البلدين العلاقات التجارية والأمن الإقليمي.
وتأتي زيارة شي في وقت تراجعت فيه العلاقات الأميركية السعودية لأدنى مستوياتها، فيما تخيم حالة من الضبابية على أسواق الطاقة العالمية مع فرض الغرب حدا أقصى لسعر النفط الروسي، فضلا عن متابعة واشنطن بحذر تنامي نفوذ الصين في الشرق الأوسط.
الموقف من البحرين
في حين أن بعض الجهات الخليجية تعتبر أن ثمة عقبة أمام التفاهم مع قطر تكمن بالتصعيد المتزايد على البحرين، يقول الهاجري إن “قطر كانت منفتحة دائما وتدعو للحوار والمصالحة، وإلى التفاوض، لكن البحرين في ظل هذه الظروف كانت سلبية جدا، من خلال مقالات صحفها والقنوات الرسمية لديها، والتي كانت تصدر بيانات وتشجب أمور تتعلق بحقوق الإنسان في قطر، ولم يكن هناك من قبل الأشقاء في البحرين حسن نية للتقدم في المصالحة وإتمام ما تبقى منها”.
إلا أنه أوضح أنه “كل ما يتعلق بمظلة مجلس التعاون الخليجي متفق عليه مع البحرين، بغض النظر عن العلاقات الثنائية، ونحن نتفق تحت مظلة مجلس التعاون على أي قرار استراتيجي”.
من جهته، قال الشامسي إنه “بالنسبة للتصعيد القطري البحريني، أتصور أن يتم ذلك ضمن إطار المناخ الإيجابي في القمة الخليجية، فالقرار هو على صعيد الخليج ككل، وعلى مستوى مجلس التعاون. وهناك قاعدة، في حال كنا اليوم أعداء، فغدا سنكون أصدقاء”.
وأكد ضرورة وجود “نوع من التفاهمات على صعيد دول مجلس التعاون، والاتفاق على هذه القضايا، بما فيها قضية البحرين”.
وردا على سؤال عن عودة السفراء بين قطر والإمارات، يقول الشامسي إنه “على ضوء النتائج التي تأتي بعد زيارة رئيس الإمارات إلى قطر، يجب أن تكون هذه الخطوة من ضمن النتائج الإيجابية اللاحقة”.
أما الهاجري فأكد أن “الأمور الثانوية تحل بعد المونديال”.