بعد تصريحات الرئيس الفرنسي ماكرون ووزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، انضم الرئيس الأمريكي جو بايدن للانتقادات الخارجية ضد “الإصلاحات القضائية” التي تقودها حكومة الاحتلال وتعتبرها المعارضة “انقلاباً على الديموقراطية”.
وينقل الكاتب المعلق الأمريكي توماس فريدمان، في مقال تنشره “نيويورك تايمز” اليوم، عن بايدن قوله إن “حكمة الديمقراطية في الولايات المتحدة وفي إسرائيل أنهما تستندان على مؤسسات قوية، وعلى موازنات وكوابح وعلى استقلالية الجهاز القضائي”. وفي إشارة واضحة لرفضه “الإصلاحات القضائية”، التي تجابه احتجاجات متصاعدة داخل إسرائيل، يقول بادين، وفق “نيويورك تايمز”، إنه بدون “توافق واسع” لا يمكن القيام بتغييرات بعيدة المدى، ومثل هذا التوافق حيوي جدا من أجل ضمان قبول الشعب لها وضمن بقائها”.
معركة “كسر عظم” داخلية
ويتصاعد التوتر والاحتقان داخل إسرائيل اليوم، وسط مخاوف متزايدة على مستقبلها مع انتقال الائتلاف الحاكم بقيادة بنيامين نتنياهو من الأقوال إلى الأفعال، وبدء إخراج “الإصلاحات التشريعية” لحيز التنفيذ، وفي المقابل تتصاعد الاحتجاجات، وترتفع حدة التراشق بين المعسكرين المتصارعين. وبسبب ارتفاع حدة الصراع مع اقتراب لحظة الحسم، وبدء تطبيق “خطة الإصلاحات القضائية” التي وعد بها قادة أحزاب اليمين الناخبين الإسرائيليين، قال المستشار القضائي السابق لحكومة الاحتلال موشيه مندلبليت، في مقابلة تلفزيونية نادرة، إن المواجهة خطيرة وتنذر بسفك دماء الإسرائيليين في الشوارع، فيما قال الرئيس السابق للمحكمة العليا أهارون براك إنه يفضل الموت على أن يرى إسرائيل تتحول لنظام دكتاتوري.
وسبقهما المؤرخ الإسرائيلي البارز بروفيسور دانئيل بلطمان، الذي قال، في حديث واسع لملحق صحيفة “هآرتس”، إن إسرائيل قريبة من الفاشية، منبها لوجود وزراء نازيين في حكومتها الحالية، مؤكداً أن إسرائيل ستصبح عضواً في نادي دول فاشية، الحياة فيها قاسية ورمادية، وتعتدي على حقوق الأقليات، وتلغي الكثير من الحريات والحقوق، وكل ذلك كي يبقى اليمين بقيادة نتنياهو في الحكم دون إزعاج.
ولم يكن بلطمان الوحيد الذي حذر من تبعات “الإصلاحات القضائية” على الفلسطينيين، خاصة فلسطينيي الداخل، من ناحية تضييق الخناق عليهم، ومحاولة التخلص منهم بأشكال مختلفة، منها التهجير الصامت. ورغم هذه التحذيرات المبررة لا يولي فلسطينيو الداخل المقدار الكافي من التفكير والعمل في كيفية مواجهة التحديات غير المسبوقة، عدا بيان صدر عن “لجنة المتابعة العليا” داخل أراضي 48، قبل أسبوعين، طرحت فيه بعض الأفكار بقيت حتى الآن حبراً على ورق، ومنها التوجه للمجتمع الدولي لفضح ما يواجهونه وما ينتظرهم.
وفعليا تستمر حالة الاستكانة، وربما الاستخفاف بالمخاطر المتصاعدة لدى فلسطينيي الداخل منذ سنوات، تزامنا وانعكاسا لتراجع مكانة السياسة، وأزمة الأحزاب العربية المتداعية، والمتقادمة في خطابها ووسائل عملها ومجمل رؤيتها. وقد تجلى ذلك بوضوح بالصمت على تشريع قانون القومية عام 2018، والذي حول المواطنين العرب (19%) إلى ضيوف في بيوتهم وداخل وطنهم.
تقزيم المحكمة العليا
وستجتمع، اليوم الأحد، اللجنة الوزارية الخاصة بالتشريع من أجل التباحث في مشروع قانون لتقييد المحكمة الإسرائيلية العليا في كل ما يتعلق بصلاحيتها بإلغاء قوانين تسنها السلطة التشريعية (الكنيست).
ويقضي مشروع القانون المطروح بأن المحكمة العليا تستطيع شطب قانون فقط بحالة وافق كافة قضاتها (15 قاضياً في التركيبة الأوسع للمحكمة) على شطب قانون، ويؤكدون أنه يتعارض بوضوح مع أحد قوانين الأساس الإسرائيلية.
كما يقضي مشروع القانون المذكور بأن يكون من صلاحية الكنيست تشريع قوانين تتناقض مع قانون أساس. وغداً الإثنين، تلتئم أيضاً لجنة القانون والدستور في الكنيست، برئاسة النائب المتطرف عن الصهيونية الدينية سمحا روطمان، للتصويت على مشروع قانون يقيّد قدرة قضاة المحكمة العليا على إصدار اجتهادات وأحكام وفق رؤيتهم القضائية، خاصة تلك المتعلقة بتعيين الوزراء، بحيث تصبح المحكمة غير مخولة للتدخل بتعيين وزراء، حتى وإن كانوا مشتبهين أو مدانين بتهم جنائية.
وإعلامياً يعرف هذا القانون المقترح بـ “قانون درعي”، على خلفية قيام المحكمة العليا بإصدار حكم، في الشهر الماضي، يقضي بأن تعيين رئيس حركة “شاس” آرييه درعي في منصبي وزير الداخلية والصحة ليس قانونياً، ما اضطر نتنياهو لإقالته، في الشهر الماضي، والآن يعمل لإعادته لطاولة الحكومة من النافذة بعدما طردته المحكمة من الباب. من جهتها تحذّر المستشارة القضائية لحكومة الاحتلال من شرعية مثل هذا التشريع بالقول إن خوفاً كبيراً يساورها بأن المحكمة العليا ستلغي “قانون درعي”.
قانون انتخاب القضاة
ومن المفترض أيضا أن تصادق لجنة القانون والدستور البرلمانية غداً على تعديل قانون انتخاب القضاة، بحيث تغيّر تركيبة لجنة التعيينات ويجعلها ضمن قبضة الحكومة، وهذا بالنسبة للمعارضة وأوساط إسرائيلية واسعة “مصادرة استقلالية الجهاز القضائي”، وخطوة كبيرة نحو تحويل النظام الديمقراطي لنظام دكتاتوري، بل إلى نظام فاشي، كما قالت، ليلة أمس، خلال المظاهرة الاحتجاجية الكبيرة في تل أبيب، وزيرة الخارجية السابقة تسيبي ليفني.
وشارك، للأسبوع السادس، نحو ربع مليون إسرائيلي في مظاهرات جابت، ليلة السبت، شوارع تل أبيب وحيفا والقدس ومدن أخرى احتجاجاً على “الخطة القضائية”، التي تباشر حكومة الاحتلال في تطبيقها، رغم الضغوط الخارجية والداخلية، ورغم تحذيرات مئات أساتذة الجامعات من نتائج اقتصادية خطيرة مترتبة على “الإصلاحات القضائية”، ورغم تحذيرات أوساط إسرائيلية سياسية وأمنية ومدنية من مختلف الفئات الحزبية، والتي تتحفظ من قوة وسرعة وحجم هذه الإصلاحات.
وشارك في المظاهرات، أمس أيضاً، عدد من المشاهير الإسرائيليين في مجال الفن والثقافة والأكاديميا والاقتصاد والأمن، وبرز في مظاهرة حيفا البروفيسور الإسرائيلي الحائز على جائزة نوبل للسلام في الكيمياء أفرهام هارتشيكو، الذي قال في كلمته خلال مهرجان خطابي إن مصادرة صلاحيات المحكمة العليا يعني اغتيال الديمقراطية. وتابع: “لست بحاجة لأن تكون خبيراً في السياسة وفي القضاء والاقتصاد حتى تدرك أن ما يجري هو انقلاب على النظام”.
كما شاركت أعداد متزايدة من المستوطنين وأتباع اليمين الصهيوني في الاحتجاجات، رغم تأييدهم للحكومة اليمينية المتشددة، وتأييدهم لفكرة الإصلاحات، لكنهم يدعون لتطبيقها بالتوافق ودون تسرّع، وبعد مناقشات، وبقدر ملائم. ويعرب هؤلاء أيضاً عن مخاوفهم من أن التصدع المتزايد في صفوف الإسرائيليين ينطوي على تهديد إستراتيجي داخلي لا يقل خطورة عن كل التهديدات الخارجية. ويذكّر ذلك بتحذيرات رئيس إسرائيل السابق رؤوفين ريفلين، في ما يعرف بـ “خطاب الأسباط”، في مؤتمر هرتزليا للمناعة القومية عام 2015، وفيه أكد أن التشظي الداخلي أخطر على إسرائيل من قنبلة إيران.
رؤساء سابقون لمجلس الأمن القومي: مناعتنا الوطنية في خطر
وعلى خلفية تصاعد التوتر الداخلي، بعث 12 رئيساً سابقاً لمجلس الأمن القومي مذكرة مشتركة لرئيس الكنيست يحذّرون فيها بأن المناعة القومية الإسرائيلية في خطر، ودعوا فيها كافة الأطراف للتوصل لتسوية وحل وسط حول “الإصلاحات القضائية”. وقال الجنرال في الاحتياط ورئيس سابق لمجلس الأمن القومي عوزي ديان إنه شخصياً يؤيد “الإصلاحات القضائية”، لكنه يخشى الانقسام عليها، ويدعو للحوار قبل تطبيقها.
في حديث للإذاعة العبرية يقول عوزي ديان إن ما يجري الآن تهديد جوهري لإسرائيل، لأن اللحمة الداخلية المتفككّة المتداعية تضرب المناعة الوطنية الإسرائيلية، مذكّراً بأن مملكتين يهوديتين قد خربتا قبل قرون كثيرة، ليس نتيجة هجوم خارجي، أو أزمة اقتصادية، بل نتيجة انقسامات داخلية. وتابع: “تزداد المخاطر الحقيقية ونحن نسمع عن دعوات لرفض الخدمة في الجيش وعن توجهات للهجرة”.
دعوة لرفض الخدمة العسكرية
وكان قائد الجيش الأسبق لجيش الاحتلال دان حالوتس قد شارك في احتجاجات تل أبيب، ليلة أمس، وقال إنه عندما تتحول الديمقراطية إلى دكتاتورية فإن رفض الجنود والضباط للتعليمات العسكرية يصبح أمرا مشروعاً.
من جهته دعا النائب السابق عن “ميرتس” الجنرال في الاحتياط يائير غولان للعصيان المدني، فيما أفادت تسريبات صحافية بأن قادة الاحتجاجات يخططون لإغلاق شوارع ومحاصرة أعضاء الكنيست التابعين للائتلاف الحاكم وهم داخل بيوتهم لمنعهم من الوصول إلى مقر الكنيست للتصويت على “التشريعات الإصلاحية”.
بالتزامن، كانت أوساط حقوقية ومعارضة قد قدمت التماساً للمحكمة العليا تطلب حكماً بتجميد صلاحيات بنيامين نتنياهو كرئيس حكومة ريثما تنتهي مقاضاته، وقررت المحكمة العليا إرجاء النظر بالالتماس للشهر القادم، ومجرد قبول التداول في الالتماس أغضب الائتلاف الحاكم، الذي وصف ذلك بـ “انقلاب عسكري” تقوم به المحكمة والمعارضة بعد انتخابات عامة قرر فيها الشعب هوية الحكومة الشرعية التي يريدها.
هجوم حاد على رئيسة المحكمة العليا
وذهبت عضو جديدة في “الليكود” النائبة المحامية طالي غوطليب لحد القول إن رئيسة المحكمة العليا استير حيوت مسؤولة عن “العملية الإرهابية” في مدينة القدس، أمس الأول. وقالت غوطليب إن رئيسة المحكمة العليا تحذّر من حكومة يمين، وليس من الإصلاحات القضائية، وتابعت في هجومها الحاد على القاضية حيوت واتهامها باتخاذ موقف سياسي حزبي: “ماذا نفعل إذا ما وقعت هنا حالة فوضى ويستغل أعداؤنا الفرصة ممن يفسرون ما يجري ضعفاً من طرفنا. كل شي مسموح من أجل إسقاط حكم اليمين”. وعلى خلفية التحفظات الإسرائيلية الواسعة من هذه التصريحات الحادة لغوطليب، قال رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو إنه يرفض أقوالها، وإن المسؤول عن “العملية الإرهابية” في القدس هو المنفذّ الإرهابي، وليس أي جهة أخرى.