مع اقتراب بنيامين نتنياهو من تشكيل حكومته، تتعاظم المخاوف في إسرائيل من تنامي قوة الحريديم واتساع ظاهرة تمردهم على القانون، فمن هم وما هي عناصر قوتهم؟
أثار اعتقال أحد الشبان المتشددين من الحريديم على يد الشرطة الإسرائيلية في القدس المحتلة، قبل أيام، مخاوف شرائح إسرائيلية من تنامي قوة المتدينين واتساع ظاهرة تمردهم على القانون في إسرائيل.
ما عزز المخاوف لدى تلك الشرائح، كانت المفاوضات الائتلافية الهادفة إلى تأليف الحكومة الإسرائيلية المقبلة برئاسة نتنياهو، إذ اتفق زعيم حزب “الليكود”، وحركة “يهدوت هتوراة”؛ وهي إحدى الحركات الدينية التي تُمثّل التيار الحريدي، على خطوة تعزز النفوذ السياسي للحريديم، من بينها توفير فرص عمل لأتباع التيار في القطاع العام في إسرائيل.
يقول روغل آلفر في صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية إن نسبة الولادات الحريدية مشكلة تهدد وجود إسرائيل، ويرى أن إسرائيل الليبرالية والعلمانية، الطامحة إلى ازدهارٍ اقتصادي كبير وإلى نظامٍ ديمقراطي، لن تصمد مع نسبة الولادات الحريدية في العقود المقبلة.
ويردف آلفر أن “الجمهور الحريدي يستخدم الولادات سلاحٍا في حربه على الجمهور العلماني للسيطرة على إسرائيل، لذلك يخشى الجمهور العلماني التمدد الحريدي الحثيث”.
من هم الحريديم؟
الحريديم طائفة يهودية متطرفة، تطبق الطقوس الدينية من خلال التفاصيل الدقيقة للشريعة اليهودية، وقد سمتها الصحافة الإسرائيلية “أمهات الطالبان”.
وكلمة “حريديم” هي جمع لكلمة “حريدي” وتعني “التقي”، وربما يكون الاسم مشتقا من الفعل “حَرَدَ” الموجود في اللغة العربية بمعنى اعتزل أو اعتكف.
والحريديم يرتدون عادة أزياء يهود شرقي أوروبا، وهي معطف أسود طويل وقبعة، إضافة إلى “الطاليت” وهو شال خاص بصلاة اليهود غالبا ما يكون أبيض اللون.
ويطلق رجال الحرديم ذقونهم حتى تصل إلى صدورهم، ويرسلون شعورهم وتتدلى من خلف آذانهم خصلات شعر مجدولة. أما نساء الحريديم فيرتدين لباسا يكاد يطابق البرقع.
وتعليقا على الموضوع، قال الحاخام بنيزري في موقع “يور جويش نيوز” إن الطائفة اعتمدت هذا اللباس “بسبب مخاوف بشأن حال تدهور الحياء في المجتمع اليهودي المتشدد”.
ووفقا لبيانات دائرة الإحصاء المركزية لعامي 2018-2019، فقد بلغ عدد اليهود المتدينين في “إسرائيل” مليونا و250 ألفا، وتسكن في القدس المحتلة النسبة الكبرى منهم بواقع 36%.
وتبلغ نسبة الحريديم 13.6% من سكان كيان الاحتلال، ويتضاعف عددهم كل 10 أعوام، ومن المرجح أن تكون نسبتهم عام 2028 أكثر من الخمس، وفي عام 2059 ستتخطى نسبتهم 34.6% من إجمالي عدد السكان.
ويبلغ متوسط عدد المواليد في الأسرة الحريدية 10 أطفال فما فوق. ويتزوج 85% من الرجال الحريديم من المجتمع نفسه، ولا يعمل 50% من هؤلاء، بل يقضون معظم أوقاتهم في المدارس الدينية، أمّا النساء فيخرجن للعمل في أماكن قريبة من سكنهن في المجالات المختلفة.
امتيازات اقتصادية وعسكرية للحريديم في حكومة بنيامين نتنياهو
في انتخابات الكنيست الإسرائيلي، في آذار/مارس 2020، كانت الأحزاب اليمينية هامشية، وحصلت على أصواتٍ أقل بكثير من العتبة الانتخابية، لكن في الانتخابات الأخيرة، التي أُقيمت في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، بدا الأمر مختلفاً جداً، فقد صعدت الأحزاب المتشددة دينيا.
ومع اعتزام رئيس مجلس وزراء الاحتلال المكلف بنيامين نتنياهو تشكيل حكومته، يحاول مغازلة المتشددين للوقوف إلى جانبه، وذلك لسطوتهم على الجمهور، إذ يغريهم إما بمناصب أو بمكاسب خاصة.
وذكرت قناة “كان” الإسرائيلية أن من بين هذه المكاسب ما تقرر وفق الائتلاف بين “الليكود” و”يهدوت هتوراة”، الذي يمهد الطريق أمام انضمام الأخيرة إلى الحكومة المقبلة، إذ جرى التوافق على إعفاء الشباب الحريديم الذين يتنافسون على فرص عمل من الحصول على اللقب الجامعي الأول (بكالوريوس)، على أن يُكتفى بعرض المتقدم للوظيفة ما يثبت أنّ لديه خبرة 5 سنوات بمجال العمل.
ولفتت القناة إلى أن الخطة ترمي إلى رفع تمثيل نسبة الحريديم الذين يعملون في مؤسسات القطاع العام من 7.5% حالياً إلى 12% بحلول عام 2027.
وأوضحت أن الاتفاق تضمن قائمة من العقوبات التي ستفرضها حكومة نتنياهو على المؤسسات والشركات التابعة للقطاع العام في حال لم تلتزم تطبيق الخطة، في المقابل منح المؤسسات التي تحرص على استيعاب الحريديم بعض المزايا.
وكشفت صحيفة “غلوبس” الاقتصادية أن نتنياهو وافق على أن تمنح الحكومة المقبلة 100 ألف شيكل (نحو 30 ألف دولار) لكل أسرة حريدية فقط، ترغب في شراء شقة سكنية.
ولفتت الصحيفة إلى أنه بحسب الاتفاق الذي جرى التوصل إليه بين الليكود وحزب “يهدوت هتوراة” الحريدية، فإن زعيم الحزب الحاخام إسحاق غولدكنوبف، الذي سيتولى منصب وزير الإسكان في الحكومة المقبلة، هو الذي سيتولى بلورة سياسات الإسكان والإشراف على تطبيقها. وما يفاقم التكلفة المادية لهذا الاتفاق حقيقة أن الحريديم يُطالبون بأن يجري بناء 15 ألف وحدة سكنية لهم سنوياً.
وتخطط الحكومة الإسرائيلية لإنشاء مدينة جديدة لليهود المتدينين قرب مدينة بئر السبع في السنوات القليلة المقبلة. وستقام المدينة على أراضي قرية تل عراد البدوية وقرى بدوية فلسطينية أخرى، بعد طرد سكانها الفلسطينيين بذريعة إقامتهم غير القانونية، وستستوعب المدينة الجديدة التي ستحمل اسم “كسيف” 100 ألف يهودي من الحريديم.
أما بالنسبة إلى خدمتهم العسكرية في الجيش الإسرائيلي، فهم لا يُؤدون الخدمة العسكرية مستغلين الاتفاق الذي توصل إليه رئيس مجلس وزراء الاحتلال ديفيد بن غوريون مع المرجعيات الدينية الحريدية الذي يعفي أتباع التيار من الخدمة بشرط تفرغهم للتعليم الديني.
لذلك، فإن مجموعات قليلة لا تساوي ربع الحريديم يخدمون في الجيش في وحدات خاصة ليس فيها اختلاط مع المجندات، وأهم الوحدات التي ينخرطون فيها وحدة “ناحل”.
ويلجأ الشباب من الحريديم إلى المعاهد الدينية للفرار من الخدمة العسكرية الإجبارية، ومع أن عدد المطلوبين للخدمة العسكرية خلال عام 2020 يتجاوز نصف مليون، لكن عدد من انخرطوا بالخدمة لا يتجاوز 130 ألفاً.
ويحصل كل شاب يلتحق بالمعاهد الدينية على راتب شهري بواقع 4 آلاف شيكل (1140 دولارا) طوال مدّة دراسته التي قد تصل إلى 3 أعوام، ثم تسقط عنه الخدمة العسكرية الإجبارية في الجيش.
وهذه إحدى النقاط التي عززت الكراهية بينهم وبين العلمانيين الذين يعتبرون أنّ المتدينين عالة على الدولة لحصولهم على ميزانيات ضخمة، وفي المقابل لا يعملون ولا يخدمون في “الجيش”.
الحريديم قوة سياسية صاعدة
في السنوات الأخيرة، وبعد أن عاد ممثلو الطوائف الحريدية على اختلافهم العرقي إلى الكنيست، استطاع ممثلوهم أن يتحولوا إلى محور مهم في موازين القوى السياسية في تأليف الحكومات في “إسرائيل”، وإلى مركب أساسي ومؤثّر في تشكيل حكومات نتنياهو في مواجهة المعسكر العلماني.
اليوم لدى الحريديم أحزاب في الكنيست الإسرائيلي، أبرزها: “شاس” وهم اليهود الحريديم السفارديم (الشرقيون)، وحزب “يهودت هاتوارة” وهم الحريديم الأشكيناز (الغربيون).
وقد حصل “شاس” في الانتخابات الأخيرة، في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، على 11 مقعداً ضمن الكنيست، وهو يملك نفوذاً ليس بالهين من خلال مؤسساته التعليمية المنتشرة في الكيان الإسرائيلي.
يتميز هذا الحزب بموقفه الرافض تماماً لوقف الاستيطان، ويرفض أيضاً حتى مجرّد التفاوض بشأن مصير ووضع مدينة القدس المحتلة، ويطالب هذا الحزب الدول العربية بتعويض اليهود الذين هاجروا منها إلى “إسرائيل”.
أما الحزب الثاني، فهو “يهودت هاتوارة”، الذي يرفض أيّ تفاوضٍ مع الفلسطينيين، وينطلق من المنطلقات العنصرية المدعمة من الرؤية التوراتية، ويشكل هذا الحزب حالياً ركناً أساسيا من أركان تحالف قوى اليمين العلماني التقليدي واليمين في نسخته الصهيونية الدينية. وحصل الحزب على 7 مقاعد في الانتخابات الأخيرة.
وتتمتع هذه الأحزاب أو الحركات بنفوذٍ كبير، وبقاعدة جماهيرية واسعة في أوساط المستوطنين الذين يمثلون قاعدة صلبة لهذه الحركات المتطرفة، وهو ما قد يحدث تغيرات نوعية في بنيتي الكيان والمجتمع الإسرائيلي الذاهب أكثر فأكثر إلى مزيدٍ من التطرف والعنصرية، مع أنّ بنية كل الأحزاب الإسرائيلية هدفها واحد، وهو استعمار أرض فلسطين، والعودة إلى “أورشليم” أرض الميعاد، وفق زعمها.
وعن سر تنامي قوّة أحزاب وحركات الحريديم، توضح دراسة أعدها رئيس “معهد شورِش للدراسات الاقتصادية الاجتماعية”، البروفسور دان بن دافيد، لمركز مدار الفلسطيني أن العامل الحاسم في الانتخابات الإسرائيلية خلال العقود الأخيرة هو “توجه المتدينين نحو اليمين، وخصوصا منهم الحريديم، الذين ازدادت نسبتهم من مجموع الأصوات (أصحاب حق الاقتراع) بأكثر من 3 أضعاف، منذ السبعينيات وحتى الآن”.
بدوره، يرجع الباحث في المجتمع الحريدي في “معهد إسرائيل للديمقراطية”، حاييم زيخمان، تنامي قوة الحريديم في المجتمع الإسرائيلي إلى التزام أنصار الأحزاب التصويت لأحزابها، وتوجه حزبي “شاس” و”يهدوت هتوراة” إلى فئات شعبية شرقية فقيرة غير حريدية للتصويت لأحزابها، في مقابل خدمات تعليم وخدمات أخرى ذات طابع اقتصادي اجتماعي، إضافة إلى التزايد السكاني المطرد، إذ يبلغ معدّل ولادة المرأة الحريدية الواحدة 7 أطفال، وهي من أعلى النسب في العالم.
وعن مخاطر الحريديم على إسرائيل، يقول روغل آلفر “هآرتس”، إن نسبة الولادات الحريدية تعد إشكالية في أبعاد عدة: بيئياً “إسرائيل” مكتظة جدا ولا يمكنها مجاراة الزيادة المتوقعة من نسبة الولادات الحريدية وسيكون هناك انفجار سكاني، اقتصادياً نسبة الولادات الحريدية تعني ارتفاعا دراماتيكيا في مستوى الفقر في “إسرائيل” في العقود القريبة، سياسياً الحريديم لديهم كتلة ناخبين وهم ضد الديمقراطية والقيم الليبرالية، أخلاقياً نسبة الولادات الحريدية تعني استغلالا سيئا للعلمانيين الذين يعملون ويدفعون ضرائب، عكس الحريديم الذين لا يعملون.
تشير أرقام نسبة الحريديم وتناميهم داخل الكيان الإسرائيلي، وحصولهم على عدد لا يستهان به من مقاعد الكنيست، إلى أن هناك تحولاتٍ عميقة في “إسرائيل” سيكون لها آثار على المجتمع نفسه المنقسم بين متدين وعلماني، وكذلك سيعزز الانقسامات داخل المؤسستين العسكرية والأمنية.