وصل سعر الدولار الأمريكي إلى أكثر من 31 جنيها مصريا،اليوم الأربعاء، للمرة الأولى في تاريخ العملة المصرية، بعد سلسلة من الانخفاضات شهدتها خلال السنوات الماضية.
وخفضت مصر قيمة عملتها أكثر من مرة في تاريخها استجابة لأزمات، أو في محاولة للتوفيق بين العرض والطلب، من أجل تحسين الأداء الاقتصادي وزيادة احتياطاتها من العملات الأجنبية، وهو ما أثر في الوقت ذاته على مستويات معيشة المواطنين.
وفي 10 أشهر فقط، تراجعت قيمة العملة المصرية 104 في المئة في مقابل الدولار، وفق فرانس برس، بعدما خفضت ثلاث مرات استجابة لمطالب صندوق النقد الدولي، حسب ما أفادت به مصارف حكومية.
وتم تداول الجنيه المصري بسعر 31.8 مقابل الدولار، الأربعاء، في المصارف في حين كان متداولا بسعر 15.6 في مارس الماضي.
أبرز محطات الجنيه المصري مقابل الدولار
من جنيه إلى سبعة جنيهات
تقول صحيفة المصري اليوم إنه في 1977 قرر الرئيس الراحل، أنور السادات، عودة البطاقات الاستيرادية للقطاع الخاص، وبدء حقبة الاقتراض من الغرب، لكن مع عدم قدرته على تحرير الموازنة العامة سنة 1977 وعدم استمرار تدفق استثمارات الخليج والضعف الاقتصادي العام، حدثت أزمات للدولار وتحرك الدولار رسميا من 1.25 جنيه إلى حوالي 2.5 جنيه.
وحدثت المرة الثانية للتعويم في 2003 عندما قررت حكومة عاطف عبيد تحرير سعر الصرف من أجل خفض العجز في الميزان التجاري وتحقيق توزان بين العرض والطلب في السوق النقدي بزيادة المعروض من الدولار والعملات الأجنبية الأخرى.
وكان سعر الدولار وقتها 3.7 جنيه (370 قرشا)، وزاد على إثر التعويم إلى 5 جنيهات و50 قرشا، ثم ارتفع إلى نحو 7 جنيهات، ثم استقر عند 6 جنيهات و20 قرشا في ذلك الوقت.
وفي نهاية عهد مبارك، كان سعر الدولار 5.77 جنيها ، ثم ارتفع بعد أحداث انتفاضة يناير وتولي المجلس العسكري السلطة إلى أكثر من 6 جنيهات، ومع نهاية حكم محمد مرسي في يوليو 2013، كان قد وصل إلى نحو 7 جنيهات، واستمر في الارتفاع نسبيا حتى وصل إلى 8.8 عندما تولى الرئيس عبد الفتاح السيسي السلطة.
2016.. انخفاض ضخم في سعر الجنيه
وفي الثالث من نوفمبر 2016، شهدت مصر تعويما جديدا للعملة ليفقد الجنيه نحو نصف قيمته أمام الدولار.
وتخلى البنك المركزي بهذا الإجراء عن ربط عملته بـ 8.8 جنيه مصري للدولار على أمل إعادة العملات الأجنبية إلى النظام المصرفي الرسمي، بعد أن أدت ندرة الدولار إلى تضخم السوق السوداء.
وبالنظر إلى أسعار الفائدة المرتفعة في مصر واستقرار الجنيه وسجل العملة الحافل في التحركات الصديقة للسوق، ضخ الأجانب مليارات الدولارات في سوق ديونها.
وأدى الإجراء إلى انخفاض شديد في قيمة الجنيه بعد القرار مباشرة ليصل إلى نحو 20 جنيها، ثم جرى تداوله عند نحو 17.6 للدولار.
وتسبب تعويم الجنيه في خفض قيمة الرواتب وتراجع القدرة الشرائية للسكان مع ارتفاع الأسعار في العديد من القطاعات، مثل الكهرباء والغاز والألبان والصلب والبناء.
ومع ذلك، زادت الاحتياطيات الأجنبية وتحسنت مؤشرات التوقعات للاقتصاد وزاد النمو وحققت العملة بعض المكاسب بمرور الوقت لتستقر عند حوالي 15.7 جنيها للدولار.
وفي 2019، زادت قيمة الجنيه أكثر من 11 في المئة في 2019، وفق رويترز، وارتفع سعره نحو 199 قرشا مقابل الدولار.
وقالت مونيت دوس، محللة الاقتصاد الكلي وقطاع البنوك إن الارتفاع في قيمة الجنيه لرويترز: “يرجع بالأساس إلى قطاع السياحة سريع النمو، وتحول مصر إلى مُصدر صاف للنفط وتدفقات مستدامة على سندات الخزانة المصرية”.
وفي يوليو 2021، نشر المركز الإعلامي لمجلس الوزراء المصري، تقريرا بالمكاسب بعد مرور أكثر من 4 سنوات على تحرير سعر الصرف.
وقالت الهيئة العامة للاستعلامات الحكومية إن العملة تجاوزت تبعات جائحة كورونا على الاقتصاد العالمي، وما ولدته من ضغوط على العملات الدولية، وذلك بفضل “الإصلاحات الاقتصادية والهيكلية التي نفذتها الدولة على مدار سنوات”.
وكشف التقرير عن أن أداء الجنيه المصري أمام الدولار تحسن خلال الفترة من 30 يونيو 2017 حتى 28 يوليو 2021 بنسبة 13.1 في المئة.
واستطاع الجنيه جني مكاسب أمام الدولار بإجمالي 2.65 جنيه منذ نهاية 2016 حتى 29 يوليو 2021 بواقع 0.03 جنيه في الفترة من 31 ديسمبر 2020 حتى 29 يوليو 2021، و0.31 جنيه في 2020، و1.87 جنيه في 2019، و0.62 جنيه في 2017، بينما تراجع أمام الدولار بمقدار 0.18 جنيه في 2018 .
وأشار التقرير إلى أن هذا الأداء القوي للجنيه انعكس على انخفاض معدل التضخم لـ4.9 في المئة في يونيو 2021 مقارنة بـ 29.8 في المئة في يونيو 2017، ما سمح بخفض سعر الفائدة لـ8.25 في المئة نهاية يونيو 2021، مقارنة بـ16.75 في المئة نهاية يونيو 2017.
موجة تعويم جديدة
وفي بداية شهر مارس 2022، أعلن جهاز الإحصاء، ارتفاع معدل التضخم السنوي ليبلغ 10 في المئة لشهر فبراير، مسجلا النسبة الأعلى منذ منتصف عام 2019، ورد هذه الزيادة إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والمشروبات بنسبة 20.1 في المئة.
ثم قرر البنك المركزي زيادة سعر العائد على الإقراض والودائع بنسبة 1 في المئة.
وأوضح في بيان أن الصراع الروسي الأوكراني أدى إلى “ضغوط تضخمية محلية وزيادة الضغط على الميزان الخارجي. في ضوء هذه التطورات، قررت لجنة السياسة النقدية رفع أسعار العائد الأساسية لدى البنك المركزي”.
وأضاف بأنه “يؤمن بأهمية مرونة سعر الصرف لتكون بمثابة أداة لامتصاص الصدمات والحفاظ على القدرة التنافسية لمصر”.
ثم تفاجأت المصارف المصرية بخفض قيمة الجنيه أمام الدولار بنسبة 17 في المئة تقريبا. وبعد بيان البنك المركزي، تراجع الجنيه 10.67 في المئة، ليصل إلى 17.42-17.52 مقابل الدولار، بحسب بيانات “رفينيتيف” بعدما كان يجري تداوله عند حوالي 15.7 جنيه للدولار منذ نوفمبر 2020.
ثم أظهرت بيانات رفينيتيف بعد ذلك هبوطا ثانيا، بأكثر من 14 في المئة، ليهبط الجنيه إلى 18.17-18.27 مقابل الدولار.
وتوقع بعض خبراء الاقتصاد حينها أن تحصل موجة جديدة من تعويم العملة المحلية في مصر “في ضوء ارتفاع أسعار السلع الأولية والغذاء والانخفاض المحتمل في أعداد السياح الروس”، وفق ما جاء في تقرير لبنك الاستثمار “جي بي مورغان”.
ومنذ مارس، واصل تراجع الجنيه مقابل الدولار، وفي أغسطس 2022، عرض البنك المركزي المصري سعر الشراء للدولار الأميركي مقابل 19,01 جنيها، وهو مستوى لم تنخفض إليه العملة المحلية منذ ديسمبر 2016 عندما بلغت قيمة الدولار 19.3 جنيها بعد أقل من شهر على قرار تحرير سعر الصرف.
وخلال الشهور الماضية، عانت مصر من النقص الحاد في الدولار، وكان يباع في السوق الموازية بأسعار أكبر من السعر الرسمي بكثير.
وفي 27 أكتوبر، لامس الجنيه المصري أدنى مستوياته على الإطلاق عند 22.5 جنيه مقابل الدولار، وجاء الارتفاع بعد قرار البنك المركزي رفع سعر الفائدة بمعدل 200 نقطة أساس.
وبعدما تعهد البنك المركزي المصري بالتحول إلى سعر صرف مرن بموجب اتفاق للحصول على دعم من صندوق النقد الدولي، استمر انخفاض الجنيه المصري مقابل الدولار.
وهوى الجنيه إلى مستوى قياسي بلغ 24 جنيها مقابل الدولار في ظرف 3 أيام فقط، بينما ارتفعت سعر الدولار في السوق السوداء إلى قيم متفاوتة وصلت إلى 40 جنيها أحيانا.
ومن أجل سد الحاجة إلى الدولار، اتخذت مصر اجراءات من بينها خفض حدود السحب النقدي والمشتريات خارج مصر.
وأظهرت بيانات “رفينيتيف” التابعة لرويترز، الأربعاء، تراجع الجنيه المصري إلى 31 جنيها أمام الدولار في تعاملات متقلبة.
وجاء ذلك بالتزامن مع تقرير لصندوق النقد الدولي تحدث عن حاجة القاهرة إلى صفقات خليجية “حاسمة” لتغطية فجوة التمويل.
الجنيه المصري يواصل الانخفاض أمام الدولار الأميركي
ومع هذا الانخفاض الجديد في قيمة العملة المصرية، الأربعاء، ستزداد معاناة الأسر المصرية في بلد يستورد غالبية احتياجاته وبلغت نسبة التضخم فيه 21.9 في المئة.
وكان استطلاع أجرته رويترز، الاثنين الماضي، قد توقع استمرار ارتفاع معدل التضخم بعد أن سجل بالفعل أعلى مستوى في خمس سنوات في نوفمبر.