31 يوليو، 2024 5:27 صباحًا
لوجو الوطن اليوم
معهد الأمن القومي: الجبهة الداخلية في إسرائيل غير مستعدة لحرب محتملة ومناعتها مهددة بالكسل والوهم
معهد الأمن القومي: الجبهة الداخلية في إسرائيل غير مستعدة لحرب محتملة ومناعتها مهددة بالكسل والوهم

يحذّر باحث إسرائيلي من تبعات السجالات الداخلية على الحصانة الذاتية للإسرائيليين، ومن عدم جاهزية “الجبهة الداخلية” لحرب مستقبلية أوسع من الجولة المحدودة الأخيرة مقابل الجهاد الإسلامي في قطاع غزة.

يقول الباحث البارز في معهد دراسات الأمن القومي، التابع لجامعة تل أبيب، مئير إلران إنه يجب فحص سلوك الجبهة المدنية في إسرائيل خلال حملة “درع وسهم” عبر ثلاثة أبعاد مرتبطة ببعضها البعض: تصرُّف الجبهة الداخلية في ظل هجمات الجهاد الإسلامي، وإسقاطات ذلك على مواجهات مستقبلية، حصانة المجتمع الإسرائيلي في إطار العلاقة المباشرة بالجولة القتالية، والحصانة الإسرائيلية في السياق الأوسع خلال الأزمة السياسية/ الاجتماعية التي اندلعت بقوة بسبب مبادرة الحكومة إلى القيام بـ “إصلاحات قضائية”.

برأي الباحث الإسرائيلي، أولاً، يجب الاستنتاج والقول إن منظومات الجبهة المدنية في إسرائيل تصرفت خلال الجولة القتالية بشكل معقول: التطور التدريجي للقتال خلقَ توقعات لدى الإسرائيليين بأنه ستكون هناك جولة إضافية، وخلق لديهم وعيَ طوارئ أمني. لكن في المقابل يقول إن قدرة الجبهة المدنية على التعامل مع العدو كانت نابعة بالأساس من الفجوة الكبيرة جداً بين قدرات الهجوم والدفاع لدى إسرائيل، مقارنةً بالضعف الإستراتيجي والتكتيكي لدى “الجهاد الإسلامي”، بالتأكيد مقارنةً بـ “حزب الله” و”حماس” أيضاً.

ويقول أيضاً إن هذه الفجوة يمكن أن تتقلص كثيراً في مواجهة مستقبلية واسعة، يمكن أن تكون متعددة الجبهات، ولذلك، يمكن أن تفرض تحديات أكبر بكثير على قدرة وفاعلية هذه المنظومات التي بُنيت في إسرائيل خلال الأعوام الماضية، كي تعمل بصورة صحيحة في مواجهة أمنية.

لافتاً إلى أن هذه الفاعلية انعكست أيضاً، بوضوح، في السياق العسكري – الهجومي – بتوجيه ضربة قاسية إلى “الجهاد الإسلامي”، وتقليص احتمال التهديد من طرفه؛ وأيضاً في السياق العسكري- الدفاعي (على الرغم من وجود خلل تقني في منظومة الدفاع “القبة الحديدية”، وخلاله قُتلت مواطنة في رحوفوت).

• حاليفا: حرب كُبرى محتملة بسبب حزب الله وحماس تسعى لتفعيل القوة ضدنا من عدة جبهات

الإنذار المبكّر

وفي هذا الإطار، يزعم إلران أن منظومات الجبهة الداخلية الإسرائيلية عملت جيداً، وتضمّنت أيضاً منظومة الإنذار وإطلاق صفارات إنذار متطورة ومتقدمة، بالإضافة إلى خطوات إرشادية وتوجيهات للجمهور، إلى جانب الرد الأولي المدني. ويرى أن الخلاصة من هذا كله أن الرد الإسرائيلي في مواجهة تهديد صاروخي محدود معقول، على المستوى العملياتي، حتى لو لم يكن صارماً بشكل تام.

ويضيف: “هذا الإنجاز مهم ومبارك. وينعكس في العدد القليل للمصابين في الجانب الإسرائيلي (قتيلان و32 مصاباً، و45 إصابة بالهلع)”.

ورغم ذلك، فإن الإنجاز على الصعيد العسكري لا يشير إلى جديد بالنسبة إلى موازين القوى ما بين إسرائيل وقطاع غزة، أو عما يمكن أن يحدث في مواجهة محتملة مستقبلاً، في حال كانت أوسع، أو متعددة الجبهات، وتشارك فيها “التنظيمات الإرهابية” الأُخرى، وضمنها “حزب الله” اللبناني وحركة “حماس” الفلسطينية.

محذراً من أن مواجهة واسعة كهذه ستترافق مع تهديد أوسع بكثير مما شهدناه مؤخراً في الجبهة الإسرائيلية، ويبدي تشككا كبيراً في أن يكون الأداء الإسرائيلي على الصعيد الدفاعي شبيهاً بما شهدناه في الجولة القتالية الأخيرة مع “الجهاد الإسلامي”.

• تهديدات إسرائيل لإيران وحزب الله.. هل تدفع نحو حرب لبنان الثالثة أم تعمل لتجنبها؟

فقدان الملاجئ

ويعتبر الباحث الإسرائيلي أن “الدليل الأبرز على هذه الفجوة يكمن في مجال الملاجئ في إسرائيل عموماً، وفي الجبهة الشمالية خصوصاً: الوضع في هذا المجال غير كاف، تنفيذ الخطة المتعددة الأعوام لتعزيز الملاجئ في الجنوب تأجّل عدة مرات منذ أعلنتها الحكومة في سنة 2018، وفقط مؤخراً بدأ التنفيذ، بالتدريج، في أماكن قليلة في بلدات قريبة من الشريط الحدودي مع لبنان”.

ويشدد على أن عملية بناء الملاجئ هي شرط ضروري كي تتعامل الجبهة الداخلية بشكل ناجع في حالات الطوارئ الأمنية، وبالتالي ضرورية لحصانة الجمهور المدني. ويضيف إلران: “نموذج آخر هو القضية الحساسة، الإجلاء الذاتي والمنظّم للمواطنين من المناطق التي ستكون مستهدفة بصواريخ لديها مسارات ملتوية. بدأ نقاش هذه القضية منذ حرب لبنان الثانية، حين قام ما يعادل ثلث سكان الشمال بعمليات إجلاء ذاتي من بيوتهم في أوقات متفاوتة، من دون أي استجابة حكومية لأزماتهم. حتى الآن، لا تزال حكومة إسرائيل تمتنع عن تجهيز رد نظامي شامل على هذا التحدي، الذي يمكن أن يندلع من دون سابق إنذار، وذلك إما بسبب حدث أمني واسع وأضرار كبيرة، وإما بسبب هزة أرضية صعبة. الحل التكتيكي والصغير الذي كان، هذه المرة، على شكل خطة تسمح للأفراد والمجموعات من مستوطنات “غلاف غزة” بالقيام بإخلاء المناطق بحسب رغبتهم، بتمويل من الحكومة، لعدة أيام “للترفيه عن النفس”، بعيد كل البعد عن كونه رداً نظامياً في سيناريو واسع”. ويشدد أيضاً على أن المطلوب هو وعي قومي وخطة شاملة وقُطرية ممولة، بالإضافة إلى تحضيرات لوجستية مفصلة، وشرح وتدريب”.

• إسرائيل وحرب متعددة الجبهات.. قراءة في السيناريوهات والتداعيات

بين الوهم والكسل

ويمضي إلران في تحذيراته: “أكثر من ذلك، فإن مجموعة الجولات القتالية مع تنظيم إرهابي فلسطيني ضعيف وصغير في القطاع، من دون تدخُّل حماس، الأقوى منه بأضعاف، يمكن أن تدفع المجتمع الإسرائيلي إلى حالة وهم وكسل خطِرة بشأن قدرة إسرائيل على التعامل بنجاح مع هجمات صاروخية. الخبرة تشير إلى أن الوعي الذاتي بقدرات التعامل مع هجوم معين مختلفة عن سيناريو تهديد مختلف. هذا أيضاً يمكن أن يؤثر سلبياً في الالتزام من طرف المستوى السياسي لاستثمار الموارد المطلوبة من أجل الدفاع عن الجبهة الداخلية في حالات الطوارئ وتعزيز الحصانة الاجتماعية”.

ويقول الباحث الإسرائيلي إنه بحسب الأدبيات البحثية، فإن الحصانة الاجتماعية تنعكس في قدرة المجتمع والجماعة على التعامل بنجاح مع حالة ارتباك صعبة، واحتوائها بمرونة، والحفاظ على هيكلية قيادية خلالها، والشفاء منها بسرعة والتطور بعدها إلى أبعاد إضافية ومحسّنة في مجال النجاعة النظامية. ويرى أنه من وجهة النظر هذه، يجب التعامل مع فاعلية المجتمع الإسرائيلي خلال جولة “درع وسهم” على صعيدين متوازيين:

أولاً، على الصعيد الضيق، حيث تكون الجولة القتالية ذاتها حلقة إضافية في سلسلة لا تنتهي من الجولات القتالية، وشبيهة من حيث مميزاتها وأيضاً نتائجها.
ثانياً، على الصعيد القومي الواسع أكثر، المرتبط تحديداً بحصانة وقدرة المجتمع الإسرائيلي وفاعلية الأداء في هذا الوقت، حيث يعيش حالة مؤقتة بين الأزمة الاجتماعية/ السياسية الكبيرة التي اندلعت في أعقاب “الإصلاحات القضائية”، وبين الجولة الأمنية ذاتها.

ويرى أيضاً أنه بشأن الحصانة الاجتماعية، خلال الحملة الأخيرة، يبدو أن المجتمع الإسرائيلي، في أغلبيته، تصرّف بمسؤولية، وبصورة عامة بحسب توجيهات الجبهة الداخلية، وفي الوقت نفسه، حافظ على روتين الحياة قدر الإمكان، بحسب التهديد المتغير في مناطق مختلفة، إلى جانب مبادرات ذاتية أكثر حذراً من رؤساء السلطات المحلية في منطقة الوسط، حيث ألغوا فعالية ثقافية وتعليمية غير رسمية، التزاماً بتوجيهات قيادة الجبهة الداخلية.

ويتابع: “حالة الطوارئ التي كانت موجودة في معظم المناطق في البلاد، تشير إلى نموذج الاحتواء والمرونة، وهو مركّب من مركّبات الحصانة”.

• مناورة واسعة لـ “حزب الله” تحاكي التحرير النهائي لـ “فلسطين”.. و”اسرائيل” تستنفر

دور المعارضة

هذا بالإضافة – برأي إلران- إلى أن الإسرائيليين منحوا الدعم اللازم عموماً لسياسات الحكومة في مواجهة العدو، وكذلك إدارة الجيش للمعركة في قطاع غزة، وهو ما قامت به أيضاً أحزاب المعارضة الكبيرة، الأمر الذي يضاف إليه أيضاً بعض مجموعات الاحتجاجات القيادية ضد “الإصلاحات القضائية”، التي أعلنت أخذ إجازة من التظاهرات خلال الجولة العسكرية، وضبطت نفسها، تخوفاً من ضرر يلحق بالمواطنين المحتجين، وأيضاً تعبيراً عن التضامن مع سكان غلاف غزة الموسع.

ويضيف: “لقد شكّل ذلك تعبيراً عن صحة الافتراض السائد القائل إنه في حالات الطوارئ والتهديدات الأمنية الخارجية (وبالأساس في حالات لا تبادر فيها إسرائيل إلى مواجهة عسكرية، علناً)، تحدث ظاهرة تسمى “الدخول تحت العلم”.

وخلص الباحث الإسرائيلي للقول إن هذه المرة دخلت إسرائيل في مواجهة أمنية خلال فترة اضطرابات صعبة وأزمة سياسية/ اجتماعية عميقة، عكست بالأساس زعزعة في قيم التضامن، وأيضاً الاستقطاب الآخذ بالتطرف في المجتمع الإسرائيلي.

ويتابع: “في هذه المرحلة، يبدو أن قيم التضامن في المجتمع خلال حملة درع وسهم جاءت بسبب حدث خارجي، وتركزت في تبرير طريقة العمل الإسرائيلية ضد الجهاد الإسلامي”.

لذلك، لا يزال مبكراً الحكم على تأثير الأزمة السياسية/ الاجتماعية الداخلية في الحصانة القومية في حال حدوث جولة عسكرية. يبدو أن الحديث يدور عن اختلافات آخذة بالتصاعد في مرحلة استقطاب بين الرؤى المتناقضة في التعامل مع قضايا الأمن القومي، كما ظهر في ما يتعلق بالتجنيد للجيش والالتزام بالخدمة العسكرية. كقاعدة، كلما تعززت هذه الظاهرة، ومع استمرار الأزمة الاجتماعية/ السياسية، سيكون لذلك إسقاطات صعبة أكثر فأكثر على الأمن القومي، الضروري لإدارة ناجعة للمواجهات العسكرية الواسعة المتوقعة.

زوارنا يتصفحون الآن