2 نوفمبر، 2023 4:30 مساءً
لوجو الوطن اليوم
بوتين في الحضن الصيني.. بعد الإيراني
خيرالله خيرالله

الكاتب : خيرالله خيرالله

ثمة عودة إلى المربع الأول، أي إلى ضرورة وقف الحرب الأوكرانيّة، وهي حرب كشفت قصر نظر فلاديمير بوتين من جهة وعجزه عن الإعتراف بسلسلة الأخطاء التي ارتكبها من جهة أخرى.

أقلّ ما يمكن ان يوصف به كلّ خطأ من الأخطاء، التي ارتكبها بوتين، بأنّه خطيئة. يظلّ أسوأ ما تميّز به أداء بوتين، منذ بداية الحرب التي يشنها على أوكرانيا وشعبها، حصره خياراته بخيار واحد هو التصعيد مع ما يعنيه ذلك من سقوط لمزيد من القتلى في صفوف المدنيين والعسكريين في أوكرانيا وفي صفوف العسكريين الروس. جعل ذلك وقف الحرب، قبل استعادة أوكرانيا أراضيها المحتلّة، من رابع المستحيلات.

سارت ايران في خط التصعيد الروسي. ليس معروفا هل ستلجأ الصين إلى الخيار ذاته، خصوصا أن رئيسها شي جينبينغ سيكون في موسكو بين 20 و22 آذار – مارس الجاري. هل يعيد الرئيس الصيني فلاديمير بوتين إلى لغة المنطق أم بات لديه هو الآخر حسابات يريد تصفيتها مع اميركا وأوروبا؟

بدأت الحرب الأوكرانيّة، التي أدّت إلى صدور مذكرة توقيف عن المحكمة الجنائية الدولية في حق الرئيس الروسي، بقرار من بوتين. خاض الرئيس الروسي حربا، كان يستطيع تفاديها، مع بلد جار اعتبره حديقة خلفية لروسيا. تبيّن سريعا أنه لا يعرف شيئا عن البلد الذي قرّر السيطرة عليه وأنّه عاجز عن فرض نظام مختلف في كييف. بات عليه، في ضوء دخول الحرب الأوكرانيّة سنتها الثانية، الإرتماء في الحضن الصيني بعدما ارتمى العام الماضي في الحضن الإيراني.

ليس البيان الصادر عن المحكمة الجنائية وردّ فعل موسكو عليه سوى دليلين إضافيين على مدى جهل الرئيس الروسي في شأن ما يدور في العالم. تحدث بيان المحكمة عن اصدار مذكرة توقيف في حق فلاديمير بوتين لمسؤوليته عن “جرائم حرب” ارتكبت في أوكرانيا.

جاء في البيان: “اليوم (17 آذار – مارس 2023)، أصدرت الدائرة التمهيدية الثانية في المحكمة الجنائية الدولية مذكرات توقيف بحق شخصَين في إطار الوضع في أوكرانيا: السيد فلاديمير فلاديميروفيتش بوتين والسيدة ماريا أليكسييفنا لفوفا- بيلوفا”، وهي المفوضة الرئاسية لحقوق الطفل في روسيا.

أعلنت الرئاسة الأوكرانية أن مذكرة الاعتقال الدولية ليست سوى بداية. في المقابل، اعتبرت روسيا مذكرة التوقيف لا معنى لها. صرّحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسيّة ماريا زاخاروفا بأنّ “قرارات المحكمة الجنائية الدولية ليس لها معنى بالنسبة إلى بلدنا، حتى من الناحية القانونية. روسيا ليست طرفا في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية في روما وليس عليها بموجبه أي التزامات”.

لا يتعاطى العالم مع منطق القانون ولا يأخذ في الإعتبار هل روسيا طرف في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية أم لا. لم تحترم روسيا القانون يوما. يتعاطى العالم مع منطق القوّة. لو كانت روسيا تحترم القانون كيف كان لها التحول إلى شريك أساسي في الحرب على الشعب السوري منذ خريف العام 2015؟

كلّ ما في الأمر أنّ فلاديمير بوتين لم يكن يعرف شيئا عن أوكرانيا. الأهمّ من ذلك كلّه أنّه لم يفرّق بين سوريا وأوكرانيا وان ما هو مسموح له في سوريا ليس مسموحا له في أوكرانيا. تحولت الحرب الأوكرانيّة شيئا فشيئا إلى حرب روسيّة – أوروبية. غيّر هذا الواقع النظرة الأوروبيّة إلى ايران بعدما صارت طرفا في العدوان الذي تتعرّض له أوكرانيا وشعبها، بمعنى أنّ “الجمهوريّة الإسلاميّة”، التي تعاني من أزمة إقتصادية ومن أزمة نظام فاشل، صارت بمسيّراتها وصواريخها جزءا لا يتجزّأ من الحرب الروسيّة – الأوروبيّة.

قبل بدء الحرب الأوكرانيّة، ذهب فلاديمير بوتين إلى بيجينغ. لم يلق وقتذاك التجاوب الصيني الذي كان يتوقعه. ليس معروفا هل يكون حظه أفضل هذه المرّة، مع مجيء شي جينبينغ إلى موسكو. لكنّ الواضح أنّ أمورا عدّة تغيّرت مع بدء الصين لعب دور اكبر على الصعيد الدولي. ظهر ذلك واضحا من خلال رعاية بيجينغ بداية المصالحة السعوديّة – الإيرانيّة عبر صدور البيان الثلاثي المتعلّق باستئناف العلاقات الديبلوماسية بين الرياض وطهران في غضون شهرين… في حال التزام “الجمهوريّة الإسلاميّة” شروطا معيّنة. من بين هذه الشروط “احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية”.

قد يكون السؤال الأهمّ في المرحلة المقبلة مرتبطا بطبيعة الدور الذي ستلعبه الصين في أوكرانيا بعدما قدمت أفكارا تصلح أساسا لمبادرة توقف الحرب. لا شكّ أنّ المقدمة التي وضعتها الصين لمبادرتها تصلح أساسا لوساطة مستعدة للقيام بها. جاء التركيز في هذه المقدّمة على احترام القانون الدولي، وهو آخر ما يهمّ فلاديمير بوتين الذي يلوح بين حين وآخر بالسلاح النووي. لا يعرف حتّى أنّ ليس في استطاعته استخدام مثل هذا السلاح، نظرا إلى أنّ الغرب يمتلك أيضا قنابل ذرّية.

ليس سرّا أنّ ثمة توترا في العلاقات الأميركيّة – الصينيّة. كان افضل تعبير عن هذا التوتر اسقاط الولايات المتحدة المنطاد الصيني الذي يستخدم للتجسس. كذلك، هناك مزيد من التوتر بين اميركا وروسيا في ضوء اسقاط الروس، فوق البحر الأسود، مسيرة أميركية تستخدم لأغراض التجسّس أيضا.

مع إصرار بوتين على المضي في حربه الأوكرانيّة التي تحولت إلى حرب روسيّة – أوروبيّة في عالم يزداد تعقيدا بشكل يومي، جاء الرئيس الصيني إلى موسكو. الأكيد أنّ الرئيس الروسي الذي يعاني من الغرق في الوحول الأوكرانيّة يرى في زيارة شي جينبينغ حبل انقاذ صيني. في المقابل، ترى الصين في الحرب الأوكرانيّة فرصة لتكريس دورها السياسي على الصعيد العالمي. ليس ما يشير إلى استعداد أميركي واوروبي لقبول بالدور الصيني. يعود ذلك إلى أنّ بيجينغ غير مستعدة لمباشرة تحركها من حيث يجب أن تبدأ، أي بإدانة الحرب على أوكرانيا. لن يساعدها في ذلك شخص مثل فلاديمير بوتين يرفض خيار التراجع والإعتراف بأنه خسر حربا لا يمكن ان ينتصر فيها!

زوارنا يتصفحون الآن