2 نوفمبر، 2023 11:20 مساءً
لوجو الوطن اليوم
الأسد: اتصالات زعماء الدول تمهد لتغييرات سياسية
الأسد: اتصالات زعماء الدول تمهد لتغييرات سياسية
الأسد: اتصالات زعماء الدول تمهد لتغييرات سياسية

في الوقت الذي كانت تسعى فيه تركيا وسوريا إلى التقارب وإعادة تطبيع العلاقات بينهما وتجاوز تداعيات الزلزال السياسي والعسكري منذ 12 عاما، فرضت الطبيعة أجندة مختلفة، بعدما ضرب زلزال تكتوني ناجم عن اصطدام الصفيحة العربية مع صفيحة أضنة، مناطق جنوب تركيا وامتد عبر الحدود ليضرب مناطق شمال وشمال غربي سوريا، وأحدث تدميرا مرعبا وزهق أرواحا إلى درجة أنه كان الحدث الوحيد الذي أنسى السوريين أهوال الحروب والمعارك التي خاضوها ضد بعضهم البعض منذ بدء الأزمة.

سياسيا، جاء زلزال 6 شباط (فبراير) 2023 قبل شهرين ونصف شهر من موعد الانتخابات التركية التي تعتبر من أبرز العوامل التي جعلت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يندفع نحو مصالحة دمشق، كما جاء قبل أقل من أسبوعين على استئناف اللقاءات السورية – التركية على مستوى الوفود التقنية والخبراء لاستكمال المحادثات التي أجراها وزراء دفاع روسيا وتركيا وسوريا في موسكو في 28 كانون الأول (ديسمبر) الماضي وتمهيداً لاجتماع وزيري خارجية البلدين.

وبينما كانت الولايات المتحدة الأميركية تجهد لعرقلة مسار التقارب بين تركيا وسوريا وسط معلومات عن نيتها طرح مشروع متكامل يربط بين مناطق الاحتلال التركي في شمال غربي سوريا ومنطقة شرق الفرات التي تسيطر عليها بالتنسيق مع “قوات سوريا الديموقراطية” في مسعى واضح لإغراء أردوغان بالتخلي عن أي مشروع روسي لحل الأزمة السورية، جاء الزلزال الذي دمر البنى التحتية في المناطق المنكوبة في كل من سوريا وتركيا فحسب، ليقوض الكثير من الأجندات السياسية والمشاريع والأفكار المطروحة والمتباينة والمتناقضة، واضعاً الجميع أمام واقع جديد وتحديات مختلفة قد تفرض على الأطراف كلها التعامل مع الأزمة السورية بأساليب وأدوات جديدة لا سيما أن التداعيات الإنسانية الكارثية التي ترتبت على الزلزال جعلت بعض الدول تشعر بأنها أمام واجبات أخلاقية أكثر أهمية من ملاقاة السياسة الأميركية وأهدافها في سوريا.

وأمام الخسائر الإنسانية والمادية الفادحة التي خلّفها الزلزال والتي لا تزال قيد الإحصاء حتى الآن، ومع تواصل عمليات الإنقاذ والإغاثة برغم الإمكانات شبه المعدومة وسط ظروف مناخية قاسية، فُتح باب السياسة على مصراعيه أمام السلطات السورية حيث توالت الاتصالات على أركانها من زعماء وقادة العديد من الدول في خطوة عكست مدى قدرة الاعتبارات الإنسانية على كسر حواجز الأجندات السياسية وإرغامها على التراجع قليلاً إلى الخلف.

اتصالات عربية ودولية

وكالعادة كان رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد من أول قادة العالم في المسارعة إلى التضامن ونجدة المصاب السوري والتركي المشترك، فبادر إلى الاتصال بالرئيس السوري بشار الأسد مذكراً السوريين بمبادرته السابقة عندما كان أول زعيم عربي وعالمي يمد يديه للشعب السوري في ذروة انتشار مرض كوفيد-19 قبل سنتين ونيف.

وتبعت خطوة الرئيس الإماراتي مبادرات للعديد من الزعماء، حيث تلقى الرئيس السوري اتصالات من قادة دول حليفة وصديقة مثل الرؤساء: الروسي فلاديمير بوتين، الصيني شي جينبينغ، الإيراني إبراهيم رئيسي، البيلاروسي ألكسندر لوكاشنكو، ورئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان.

وذكرت صفحة رئاسة الجمهورية في سوريا، أن الرئيسين الجزائري والمصري قدما التعازي للرئيس الأسد والشعب السوري وقالت في بيان: تقدم الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون خلال اتصال هاتفي مع الرئيس بشار الأسد بعد ظهر اليوم (أمس) بخالص التعازي للرئيس وللشعب السوري بضحايا الزلزال الذي تعرضت له سوريا.

وأضافت: أكد تبون تضامن الجزائر ووقوفها مع سوريا واستعدادها التام للاستمرار في تقديم كلّ مجهود من شأنه التخفيف من حدة هذه المأساة الأليمة وآثارها.

كما تلقى الأسد اتصالا هاتفيا من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أكد فيه تضامن مصر مع سوريا وشعبها، وحرصها على تقديم العون لمساعدة الشعب السوري على تجاوز هذا المصاب الأليم، وفق بيان الرئاسة السورية.

ويعتبر الاتصالان نادرين، حيث هو الأول بين السيسي والأسد، كما أنه الأول بين تبون والأسد أيضاً، فيما بدا وكأنه تقارب عربي جديد تجاهه.

في المقابل فإن اتصال بعض الزعماء العرب مثل الملك الأردني عبدالله الثاني بن الحسين، ورئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، والسلطان هيثم بن طارق، سلطان عمان، مع الأسد، لم يكن الأول بينهم، حيث سبق وأعادت هذه الدول علاقاتها شبه الكاملة مع الحكومة السورية.

كما أن ملك البحرين حمد بن عيسى، أجرى بدوره اتصالاً مع الرئيس السوري، عبّر خلاله عن وقوفه إلى جانب السوريين في مصابهم.

وأعلنت السعودية عن إنشاء جسر جوي لإرسال المساعدات إلى سوريا وتركيا بناء على إيعاز من الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز وولي عهده محمد بن سلمان.

وكذلك بادر الرئيس اللبناني السابق ميشال عون إلى الاتصال بالأسد معرباً عن تعازيه بضحايا الزلزال وتضامنه مع سوريا.

وتوقعت مصادر سورية تحدثت إلى “النهار العربي” أن يؤدي التضامن العربي الذي شهد توسعاً غير مسبوق في التواصل مع العاصمة السورية إلى كسر الجليد بين دمشق وبعض العواصم العربية التي لم يسبق لها أن اتخذت أي مبادرة كالاتصال مع الرئيس السوري من قبل، ما يشير إلى مدى قدرة الاعتبارات الإنسانية على تغيير النهج السياسي في بعض المنعطفات.

وميزت المصادر بين تيارين ضمن الزعماء العرب الذين اتصلوا بالأسد، فهناك تيار لديه نهج ثابت وسياسة راسخة في الوقوف مع الشعب السوري يمثلها الرئيس الإماراتي محمد بن زايد آل نهيان الذي كانت دولته الأولى تعيد سفارتها إلى دمشق عام 2018 وكذلك دولة البحرين وسلطنة عمان التي تقطع علاقاتها مع دمشق.

ويمثل التيار الثاني دولة مصر التي تراوحت علاقاتها مع دمشق بين العداء في عهد الرئيس المصري السابق محمد مرسي الذي تبنى إرسال الجهاديين إلى سوريا، وبين الستاتيكو الايجابي في عهد الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي.

وعلى الرغم من أن العلاقة الاستخباراتية بين البلدين شهدت قفزة نوعية منذ تولي السيسي الحكم، إلا أن الجانب السياسي ظل مقيداً باعتبارات إقليمية ودولية معقدة حتى أن مصر وقفت ضد عودة سوريا إلى الجامعة العربية في القمة التي انعقدت في الجزائر في خريف العام الماضي.

ومع وصول الطائرات المحملة بالمساعدات من هذه الدول إلى مطارات دمشق وحلب، يرى مراقبون للمشهد السوري أن عودة الاتصالات العربية مع دمشق ستكون لها تأثيرات مهمة، أبرزها يتمثل في عودة الحرارة إلى خطوط الاتصال بين العاصمة السورية وبعض العواصم العربية ما قد ينعكس سلباً أو إيجاباً على بعض الملفات العالقة لا سيما ملف التقارب السوري – التركي، إذ قد يؤدي أي توسع للدور العربي إلى إشعار دمشق بفائض قوة على طاولة المفاوضات مع الجانب التركي.

ويتمثل الثاني في انعكاس وصول المساعدات على العقوبات المفروضة على سوريا من قبل الولايات المتحدة والدول الغربية، إذ تعتبر مصادر سورية أن وصول هذه الطائرات يعتبر بمثابة خرق للعقوبات المفروضة من جانب أحاديّ -وفق وصفها- وسوف يترك تأثيراته الواضحة بتراخي طوق الحصار المفروض على دمشق بعد تعدد حالات الخرق في الأيام التي أعقبت الزلزال.

كما أنه قد يضطر واشنطن إلى إيجاد ثغرات ومسوغات من أجل تخفيف حدة العقوبات عن سوريا والعمل على تفعيل بعض الاستثناءات الواردة في قانون قيصر وبالتالي السماح بوصول المزيد من المساعدات إلى دمشق استجابة للتعاطف الواسع بعد الزلزال الكارثي.

زوارنا يتصفحون الآن