4 نوفمبر، 2023 4:30 مساءً
لوجو الوطن اليوم
الصين تعاني أزمة “الجيل زد”.. نهاية عهد الصناع
الصين تعاني أزمة "الجيل زد".. نهاية عهد الصناع

مع تتالي البيانات السلبية بشأن الاقتصاد الصيني منذ بداية الشهر الجاري، أُثير تساؤل واسع النطاق عن قدرة الصين على الاستمرار كمحرك بارز للاقتصاد العالمي كما كانت تفعل على مدار سنوات طويلة. وفيما حاولت الإدارة الصينية تخفيف وطأة هذه البيانات التي نشرتها بلا تحفّظ كبير، كان حجب بيانات البطالة بين الشباب لافتاً، ويؤشر ضمناً إلى أنّ هذه ربما تكون المعضلة الكبرى التي تواجهها البلاد راهناً ومستقبلا.

منذ بداية نهضتها الاقتصادية قبل نحو 40 عاما، كان نمو الصين فائق الصعود، مع جيل حمل على أكتافه لواء التصنيع المتناهي الصغر وقوة عاملة هائلة، وفرت انتاجا نجح مع تطوره في غزو كل منزل وحجرة في العالم، لتستحق بلا منازع لقب “مصنع العالم”، وتقود بشكل متفرد نمو الاقتصاد العالمي منذ سنوات عدة.

تراجع الزخم

لكن منذ جائحة كورونا، تراجع الزخم الصيني كثيرا، وفشلت بكين بعدها في ما كان الكل يأمل فيه، أن تعود محركا رئيسا للاقتصاد العالمي ومرتكزا للخروج من الأزمة. بل وقعت الصين نفسها في دوائر واسعة النطاق من الأزمات، تمتد من الديون الداخلية الهائلة وتراجع القوى الشرائية للمواطنين وتعثر قطاع العقارات، إلى تراجع كبير للصادرات التي تعدّ أحد أهم شرايين الاقتصاد الصيني.

ومن بين عشرات البيانات الاقتصادية التي نشرت على مدار الشهرين الماضيين وتفيد بوجود تباطؤ اقتصادي، ثمة جانب ربما لم يحظ بالتركيز اللازم.
فمع مؤشرات مؤكّدة إلى شيخوخة المجتمع الصيني، فإنّ ارتفاع البطالة بين الشباب، الذين يُفترض أن يحملوا راية التصنيع والعمل، تبدو أمراً شديد الخطورة.

وفي آخر بياناته قبل الحظر، أكد المكتب الوطني الصيني للإحصاءات، أنّه في فئة الشباب ما بين 16 إلى 24 عاماً (وهم ما يُطلق عليهم الجيل “زد”)، سجّل معدل البطالة مستوى غير مسبوق في حزيران (يونيو) بلغ 21.3%، أو أكثر من 1 من كل 5 أشخاص.

بين “الجيل زد” و”سلاشرز”

و”الجيل زد”، أو المواليد ما بين أعوام 1996 و 2010، يعد الإبن الشرعي لعصر التكنولوجيا الرقمية وطفرة الإنترنت. وفي الصين تحديدا، فقد ولد وترعرع أغلبهم في عهد رخاء واسع النطاق، أسهمت فيه سياسة “الطفل الواحد” التي طُبّقت منذ عام 1980، ما منحهم رفاهية وتعليماً لم يُتح لمن سبقهم… بل خلق ذلك في البلاد أيضاً شريحة مستجدة تدعى بجيل “سلاشرز”، وهم من سكان المدن المتعلمين ذوي الانفتاح الواسع على العالم، والقدرة الكبيرة على الإنفاق.

وبحسب تقرير على موقع “اليونسكو”، مستنداً إلى بيانات صينية، فقد تجاوز عدد السكان من “السلاشرز” عام 2019 نحو 80 مليوناً، فيما تقول تقديرات “ماكينزي” إنّ عدد السكان من “الجيل زد” بأكمله يبلغ نحو 200 مليون من سكان الصين حالياً. ويُنظر لهؤلاء على أنّهم قادة المستقبل ومحرّكو توجّهاته.

ومع مزيد من التدقيق، فإنّ زيادة معدل البطالة في هذه الفئة العمرية لا يعكس نقصاً بالوظائف المتاحة، بل هو نقص في الوظائف المنظورة منهم، والتي تتناسب مع تطلعاتهم ودرجات تعليمهم.

اقرأ أيضًا:  الصين تكثف جهودها للدفاع عن قيمة اليوان أمام الدولار

ووفقا لتقرير حديث من صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، فإنّ هؤلاء الشباب من خريجي مؤسسات التعليم العالي، لم يجدوا ما ينتظرونه من وظائف مرموقة تناسب ما أمضوا سنوات في التعليم من أجله. فمن ناحية، باتت الصين في وضع شبه محاصر من القوى الغربية في ما يتعلق بتنامي الاستثمارات الأجنبية هناك، ما يعني تقلّص فرص العمل المرموقة في الشركات العالمية… ومن جهة أخرى فإنّ شركات القطاع الخاص في الصين في وضع لا تُحسد عليه، مع التراجع الاقتصادي وتزايد الديون، ما لا يسمح لها بمزيد من التوظيف، بخاصة في الوظائف العليا. أما القطاع الحكومي، فمتخم بالفعل بالموظفين، ومحاصر بالبيروقراطية التي لا ترضي هذا الجيل من الشباب.

هؤلاء الشباب، الذين لا يجدون عملا يرضيهم، لا يقبلون بما هو أقل. وربما لا يوجد دليل أكبر من أن الرئيس الصيني شي جينبينغ شخصيا دعاهم في مؤتمر للحزب الشيوعي إلى “تحمّل مرارة العيش في سبيل بناء المجتمع والذات”، كما تطالبهم الحكومة والمسؤولون بقبول وظائف أقل من مؤهلاتهم بدلاً من البطالة.

ومع تمرد “الجيل زد” على العمل، فإن بطالتهم ستصب بلا شك في تراجع نهم الشراء في أحد أبرز شرائح المجتمع الاستهلاكية، بخاصة في قطاعات الرفاهية التي يزداد الطلب عليها بين الشباب ذوي المسؤوليات الاجتماعية الأقل بطبيعة الحال. وقد يكون ذلك عنصراً هاماً في تراجع بيانات مبيعات التجزئة الصينية ومبيعات المنازل خلال الأشهر الأخيرة.

ومع تمرّدهم أيضا، فإن اليد العاملة تتضاءل، ما يصب في تراجع الإنتاج الصناعي. وبالفعل فقد انكمش مؤشر مديري المشتريات الصناعي في تموز (يوليو) الماضي للشهر الرابع على التوالي.

وربما لا يكون لـ”الجيل زد” الصيني دور في تراجع الصادرات والواردات نتيجة ضعف الطلب العالمي، وقد لا يتحمّلون مسؤولية الديون الحكومية الهائلة أو ضعف النمو العام للدولة، لكن إخفاقهم في أن يكونوا بديلاً لجيل الصناع في الصين، سيسهم عاجلاً أو آجلاً في انتهاء الطفرة التي اعتمد عليها التنين الأصفر طوال 40 عاماً تقريباً لبناء مجده.

زوارنا يتصفحون الآن