3 نوفمبر، 2023 5:24 صباحًا
لوجو الوطن اليوم
تقرير.. هل تخلت مصر عن فقرائها لصالح قرض صندوق النقد الدولي؟
تقرير.. هل تخلت مصر عن فقرائها لصالح قرض صندوق النقد الدولي؟
تقرير.. هل تخلت مصر عن فقرائها لصالح قرض صندوق النقد الدولي؟

قلق وترقب يسيطران على الأسر المصرية، بعدما تواصل انخفاض قيمة الجنيه المصري في الآونة الأخيرة وكسر الدولار حاجز 30 جنيها للمرة الأولى في التاريخ، حتى بات الشعور السائد لدى المصريين هو أن حكومتهم تخلت عنهم لصالح صندوق النقد الدولي واشتراطاته.

يأتي ذلك في وقت تواجه الطبقة الوسطى في مصر مخاوف حقيقة من تدهور الوضع الاقتصادي الذي يهدد وجودها.

يقول مراقبون، أن صندوق النقد الدولي بات ومنذ تأسيسه، في العام 1944 ضمن منظومة “بريتون وودز”، يعمل لمصلحة الحكومات، لا المواطن الفقير.

بل إن سياسات صندوق النقد تفرم المواطن وتذله عبر الشروط والإملاءات التي يفرضها على الدول المدينة التي تلجأ إليه لإنقاذها من الغرق وتعويمها أمام شعوبها حتى لا تنهار عقب فقدان ثقة الرأي العام بها، والفشل في كبح جماح تضخم الأسعار وتدبير احتياجات المواطن الأساسية من غذاء ودواء ومسكن.

ويمكن كشف ذلك، في شروطه التي طلبها من مصر من أجل توفير قرض بقيمة 3 مليارات دولار، عبر دعوته زيادة أسعار السلع والخدمات الضرورية اللصيقة بالمواطن الفقير والمعدم، بل متوسط الدخل، عن طريق رفع الدعم الحكومي الموجه لتمويل السلع الرئيسية، ومنها رغيف الخبز والمياه والكهرباء والصرف الصحي.

كما طالب بزيادة الضرائب والرسوم الحكومية بمعدلات قياسية، وفرض أنواع جديدة من الرسوم والضرائب، وبيع أسعار الوقود بالأسعار العالمية دون مراعاة الدخول والرواتب الضعيفة للمواطن.

ولعل أبرز مظاهر تخلي الحكومة المصرية عن الفقراء استجابة لصندوق النقد، ما صدر عن الحكومة بالقرار رقم 69 لسنة 2023 الذي نشرته الجريدة الرسمية، بحظر الإنفاق على المنح الدراسية في الداخل والخارج والخدمات الاجتماعية والرياضية والترفيهية للعاملين ومستلزمات الألعاب الرياضية وإعانات مراكز الشباب.

كما أن استمرار انخفاض قيمة الجنيه المصري، والتي هو أحد شروط الصندوق، مع ما سبق من خطوات حكومية، تعزز تآكل القدرة الشرائية للأسرة المصرية وارتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية، ويدفع بالبلاد إلى أوضاع قاسية. في المقابل،

ومع فقدان الجنيه المصري نصف قيمته مقابل الدولار منذ مارس/آذار، ارتفع التضخم في مصر التي تستورد غالبية احتياجاتها من الخارج، إلى 21.9%، وزاد سعر السلع الغذائية بنسبة 37.9%، وفق الأرقام الرسمية.

ولكن أستاذ الاقتصاد بجامعة جون هوبكنز في ميريلاند “ستيف هانك” المتخصص في التضخم البالغ الارتفاع، يقول إن نسبة التضخم الحقيقية السنوية “تصل الى 88%”.

وكما حدث عام 2016، عندما حُفّض سعر العملة المصرية، فتضاعف سعر صرف الدولار أمام الجنيه، يدفع الثمن الفقراء وأفراد الطبقة المتوسطة، وتلجأ الأخيرة إلى اتخاذ قرارات جذرية بما في ذلك تغيير نمط العيش بما يتلائم مع التدهور المعيشي وانهيار المقدرة الشرائية.

ويعيش ثلث سكان مصر البالغ عددهم 104 ملايين تحت خط الفقر، وفق البنك الدولي، بينما ثلث آخر “معرّضون لأن يصبحوا فقراء”.

يقول الكاتب الصحفي “عادل صبري”، إن الحكومة المصرية تخلت عن دورها في تجاه المواطنين، وخاصة الفقراء منهم، في الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد.

ويضيف في تصريحات إعلامية: “الحكومة لم توفر للفقراء الحماية الكافية للتخفيف من الأزمة”، واستجابت لطلبات وإملاءات صندوق النقد الدولي.

ويشير “صبري” إلى أن تدخلات الحكومة “إعلامية فقط ” دون أثر إيجابي على أرض الواقع على الفقراء.

ويرصد كيفية مواجهة المصريين وتعاملهم مع الأزمة، قائلًا: “المصريون يواجهون موجة الغلاء عن طريق الاستغناء عن الكثير من المستلزمات التي كانوا يلجأون لها يومًا، والآن يبحثون عن البدائل الأرخص ترشيدًا للإنفاق”.

من جانبه، يرى الخبير الاقتصادي “مصطفى عبدالسلام”، أن قدرة الأسرة المصرية في مواجهة تبعات تهاوي قيمة الجنيه “باتت ضعيفة”، في ظل مواصلة ارتفاع سعر الدولار ومواصلة الحكومة خفض الدعم وزيادة الضرائب والرسوم وكلفة فواتير المياه والكهرباء والمواصلات العامة وغيرها.

ويضيف أنه إذا كان قطاع من المصريين تحملوا أعباء التعويم في 2016، فإن الأغلبية لا تتحمل تكرار هذا السيناريو مرة أخرى بشكل أعنف، متابعا: “المواطن يواجه غلاء فاحشا لسببين: أولا التضخم وانخفاض الجنيه، وثانيا تداعيات حرب أوكرانيا وارتفاع أسعار الحبوب والغذاء والمشتقات البترولية والغاز”.

وسجلت مصر أعلى معدل تضخم بتاريخها في عام 2017 بسبب التعويم، وبنسبة مقاربة لـ30%.

كما سجلت بعدها معدلات تضخم مرتفعة نسبياً أيضاً في العامين اللاحقين، بـ14.4% في عام 2018، و9% في عام 2019.

هذا يعني أن المعدل العام للأسعار ارتفع بنسبة 60% في 3 سنوات فقط، وهو تغيير كبير وملموس على معيشة المواطنين المصريين.

ويؤكد “عبدالسلام” أن تبعات كل ذلك ستنعكس مباشرة على المواطن المصري، حيث يتم استيراد نحو 70% من احتياجات الأسواق المصرية من الخارج، كما أن ارتفاع الدولار سيرفع كلفة إنتاج السلع؛ مما سيدفع المنتجين والمصنعين إلى زيادة الأسعار”.

وفي السياق نفسه، يتوقع الخبير الاقتصادي “عبدالحافظ الصاوي” أن تواجه الأسر المصرية ظروفا صعبة في الفترات المقبلة، مثل ارتفاع معدلات الفقر والعوز بالتزامن مع زيادة التضخم والأسعار.

ويحذر من أن تهاوي العملة له تبعات خطيرة؛ منها زيادة معدلات الفقر والبطالة والجريمة والطلاق وغيرها من المشاكل الاجتماعية، كما أن له تكلفة ضخمة على القطاعين الصناعي والإنتاجي، وهذا يدفع أصحاب المصانع إلى إغلاقها بسبب ارتفاع سعر الفائدة وتكاليف الإنتاج؛ مما سيؤثر سلبا على سوق العمل وإيرادات الدولة من الضرائب.

ووسط التفاوت الكبير في المداخيل ومستويات المعيشة في مصر، “يصعب تحديد” الطبقة المتوسطة، وفق الباحثة في الجامعة الأميركية بالقاهرة “هدى عبدالعاطي”، التي تقول إن “المشكلة هي أن هؤلاء الذين لم يكونوا قريبين من خط الفقر، يمكن أن يقتربوا أكثر وأكثر منه بسبب التصاعد الكبير في التضخم”.

ويبلغ متوسط الأجور في مصر، وفق أحدث دراسة نشرت في العام 2020، 69 ألف جنيه سنويا (قرابة 2300 دولار)، أي أعلى قليلا من خط الفقر الذي حدده البنك الدولي ب3.8 دولارات يوميا.

وتتابع “عبدالعاطي”: “الذين يحصلون على هذا الدخل لم يعودوا قادرين على تأمين حاجات المعيشة الأساسية، ولكن لا تنطبق عليهم شروط الحصول على المساعدات الاجتماعية التي تمنحها الحكومة”.

زوارنا يتصفحون الآن